سيّدي اعْتَرَفْ

سيّدي.. اعْتَرَفْ

سيّدي.. اعْتَرَفْ

 صوت الإمارات -

سيّدي اعْتَرَفْ

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

تروي إحدى الطُرَف أن زعيم دولة ديكتاتورية لاحظ انخفاض مستوى ابنه الدراسي في مادة الرياضيات، فأراد إحضار مدرس خصوصي لمساعدته، فنادى مدير الشرطة وكان «قبضاي» من الدرجة الأولى وأخبره أن يبحث عن أفضل مدرس رياضيات على وجه السرعة، بعد أيام عاد الابن يسأل والده عن المدرس الذي سوف يساعده ولم يأتِ حتى الساعة، فنادى الزعيم من جديد بإحضار مدير الشرطة وسأله فور قدومه: «أين المدرس الذي طلبته منك؟»، فرد المدير: «اعترف سيدي بجرائمه وتم إعدامه»!

الرسالة التي توصلها هذه الطُرفة أنّ هناك من يمر «مغفّي» ودون أن يعي ما المطلوب خلال إعلان التوجهات العامة، لكنه يجري مع الناس على أمل أن ينزل عليه الوحي فيُبيّن له ما لم يعلم، أو تنشق الأرض عن معجزة فتخبره بما يجب أن يفعل لترجمة تلك التعليمات التي سمعها لكنه لم يفهمها، وكابَرَ أنْ يسأل مزيداً من التوضيح حتى «لا يروح البرستيج» ولا «يطلع» الوحيد الذي لم يفهم من بين الآخرين وما يمكن أن يُشكّله ذلك من بوادر تهديد لمنصبه إنْ لوحظ عدم استيعابه للتعليمات سريعاً كالبقية!

نسمع ونقرأ دوماً عن اهتمام الحكومة بإسعاد المتعاملين والعمل على رفع معدلات الرضا عن خدمات المؤسسات الحكومية، وللأمانة فهناك العديد من المؤسسات التي تجتهد فعلاً لجعل تجربة العميل سهلة ومثمرة ويستطيع من خلالها الحصول على الخدمة المطلوبة في وقت سريع وبصورة تلائم ظروفه ووقته المتاح، هذه المؤسسات لديها وضوح عالٍ فيما تُقدِّم من خدمات وكيف يجب أن تُقدّمها ولمن بالضبط من قطاعات المجتمع وما هي معايير جودة تقديم تلك الخدمة من وجهة نظر مُتلقيها من المتعاملين وليس بمزاجيات سعادة المدير أو أحد فلاسفة المكاتب الاستشارية أو محترفي التطبيل الداخلي!

على الجانب الآخر نكاد نُصاب بجلطة من طريقة فهم البعض لقضية إسعاد المتعاملين، فهو يخلط بين «إسعادهم» بالتميز في تقديم «خدمة» لا تقدّمها سوى مؤسسته وبين «إسعادهم» وكأنهم يحضرون احتفالاً بمناسبة اجتماعية، فتجد الاهتمام بتوفير «البلاليط» و«البثيث» و«اللقيمات» للمنتظرين للحصول على الخدمة أكثر من الاهتمام بجودة تلك الخدمة وتقليل زمن تقديمها!

لتبسيط الأمر وحتى يفهمنا البعض ولا يتقمّص دور البطل المظلوم، فنحن ننتقد السلوك لا الشخص وخلافنا ينصب على قضية محددة وليس مع طرف تلك القضية، تخيّل معي عزيزي القارئ أن تذهب لشراء جهاز «آيفون» من إحدى متاجر شركة أبل، لكنّك بدلاً من أن تستلم المنتج المطلوب يتم إغراقك بصحون الأكل وفناجين القهوة وربما قاموا برشّك بماء الورد و«تدخينك» بالعود أيضاً، فهل ستخرج راضياً؟ بالتأكيد لا، لأنك أتيت لاستلام منتج معين تحتاجه لجعل حياتك أسهل وأكثر تنظيماً، فصحن البلاليط لن يتصل بمن تريد الاتصال به، و«خاشوقة» الحلوى السلطانية لن تُفعّل حسابات البريد الإلكتروني لك، و«الدخون» قد ينزّل «زيرانك» من القهر ولكنه لن ينزّل تطبيقات الآيتيونز المهمة لك ولعملك!

 

يُنبّه عرّاب التنافسية مايكل بورتر إلى نقطة حسّاسة يغفل عنها الكثيرون بينما تعتبر محور نجاح المؤسسات عندما يقول إنّ: «جوهر الاستراتيجية يقوم على معرفة ما لا يجب أن تقوم به أصلاً»، فهناك الكثير من المؤسسات ومَن بها على درجة عالية من الانشغال، لكنّه انشغال بأمور ثانوية غير مهمة، والإشكال عندما تكون على حساب أمور عالية الأهمية وعليها مدار نجاح المؤسسة ومَن بها، لكن البشر كثيراً ما يميلون للانشغال كثيراً بما يميلون له وما يعرفونه جيداً حتى يبدو للآخرين أنهم ينجزون شيئاً مهماً، فيضيع الأهم من أجل الأقل أهمية والفاضل من أجل المفضول، وتضيع الخدمة وتطويرها والاهتمام بها لعيون صحون الأكل وفلاشات الكاميرات ثم البحث عن عدد «الريتويت» الذي تحصّل عليه ذلك الخبر في تويتر!

المبادرات الرائعة لا تَفْشَل بنفسها، ولكن يُفْشِلها من لا يتواضع إنْ لم يفهم ويسأل أكثر عن الغاية والهدف المطلوب الوصول إليه وما يُمكن أن يؤدي لتلك الغاية وما يُمكن أن يؤدي إلى نقيضها، فالوقت والجهد والتكلفة عوامل حاسمة في معترك تنافسية الدول، وفي دولة عالية الطموح كبلادنا، حفظها الله تعالى، وحكومة رشيدة حدّدت جيداً المسار الذي تريد أن تسلكه لأجل مستقبلٍ مبهر يُكمِل الحاضر الجميل، فإنّ كل ثانية من الزمن مهمة، وكل جُهدٍ مبذول لا بد أن يوجّه للاتجاه الصحيح، وكل درهم يُنفق لا بد أن يكون في خدمة الغايات المتفق عليها، وكما يقال في علم الأصول بأنّ «لا اجتهاد مع النص»، فالتوجهات الرسمية مُعلنة، والأهداف مُحدّدة، ومَن أصابه لَبْس في فهم توجّه معين فإن الحل بالسؤال والاستفسار وليس بصحن البلاليط!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيّدي اعْتَرَفْ سيّدي اعْتَرَفْ



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates