الإعلام هو الوسيلة المثلى لإيصال صوت المجتمع، ومعرفة طموحاته، وجس نبض ما يُهمّه وما يؤرقه، ونقل تلك الجوانب إلى متخذ القرار، ليقف عليها ويتخذ حيالها ما يناسبها من قرارات، وما يُلائمها من حلول، وما يجعل تحقيقها ممكناً من مبادرات ومشاريع.
لكن ليس من مهمة الإعلام أو المنتسب له، التدخل في تلك المعلومة أو المقترح أو الشكوى القادمة من أي فردٍ من أفراد المجتمع، ومحاولة تحويرها أو تغييرها، ومن باب أولى، لا يجوز سد الطريق أمام صوت المجتمع، ما دام وفق القنوات الرسمية، وبالأسلوب المناسب، ولا يمكن تقبّل أن نسمع من مذيع أو مقدّم برنامج، المزايدة على وطنية أفراد المجتمع.
وتعمّد تحوير مسار الحديث، ودسّ الكلمات دسّاً في فم متصلٍ بسيطٍ من ذوي الدخل المحدود، يئن من غلاء الأسعار بسبب جشع بعض التجّار، ثم التعنيف والتلويح بتهمة خيانة الوطن والإساءة له، وعقد محاكمة على الهواء مباشرة مع ذلك المسكين، الذي وجد نفسه في موقف الدفاع عن ولائه لبلاده وحبه لقيادته، أمام المذيع!
هذا الموقف الصادم، الذي حدث قبل أيام، والذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ كبير، لعدم تصديق الناس لما سمعوه من ذلك المذيع، وطريقة حديثه مع المتصل، وما أثاره من سخط ورفض شعبي واسع لذلك الأسلوب الذي لا يمت لأخلاقيات المجتمع بصلة، كان باب خير من حيث لم يحتسب ذاك المذيع وأمثاله من موزعي صكوك الوطنية.
وإقحام حتى أبسط الأمور وأكثرها براءة في نطاق الولاء للبلد وحكومته، متجاهلين أنّ القيادة الرشيدة، هي من فتحت هذه القنوات وأمثالها الكثير، لكي تستمع لأصوات أفراد شعبها في سعيها لـ «إسعاد» ذلك الشعب، لكن يبدو أن بعض الإعلاميين لا يرى الصورة بالطريقة السليمة، فكان لزاماً أن يُعاد لكل من فقد الرشدَ رُشدَه، ولكل من حاد عن الطريق، مسار الطريق الصحيح!
كان القرار السريع من سمو ولي عهد عجمان، بإيقاف المذيع، أولى الرسائل المهمة في تلك الليلة، التي كانت فعلاً منعطفاً حاسماً في مسار الإعلام والمطلوب منه وحدود دوره، إيقافٌ يعني أنْ لا مكان لمن يُسيء للمواطن، أو يتعمّد تحوير كلامه، ويزايد عليه في وطنيته وحبه لبلاده وقيادته الرشيدة، ثاني الرسائل، كانت أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، باستيفاء كافة احتياجات ذلك المواطن المُتّصِل على الفور.
وهي الرسالة التي أُريد منها أن تصل بوضوح لكافة المؤسسات والهيئات الحكومية الخدمية المختلفة، بأن دورها أن تنصت جيداً لمطالب المجتمع، وتقوم بتلبيته على وجه السرعة، كلاً وفق اختصاصه، والرسالة الثالثة، كانت بأمر سموه لوزارة تنمية المجتمع، بإعداد تقارير على وجه السرعة عن احتياجات الفئات ذات الرواتب المنخفضة والمتقاعدين.
كان ذاك الأمر، يحمل توجيهاً صريحاً لكل الجهات الرسمية، أن تكون السبّاقة وذات المبادرة في معرفة احتياجات الناس، والعمل على حلها دون إجراءات بيروقراطية تستهلك الوقت، ولا تزيد الوضع إلا تأخيراً وسوءاً، لا أن تكتفي بانتظار أن تخرج شكوى لكي تتحرّك أو تأتيها أوامر عليا.
إنّ النقطة الرئيسة التي أراد «بو راشد» إيصالها، هي أنّ سياسة حلول إطفاء النيران Fire Fighting Solutions، لا يمكن القبول بها هنا، في دولةٍ تنشد إسعاد من يسكن بها، وتسعى جاهدة لتتفوّق على دول العالم في مقاييس الاهتمام بالإنسان وإعلاء شأنه، وتوفير كل سبل الحياة الكريمة له، فالحلول المبتورة لا مكان لها، والعلاجات المؤقتة غير مُرحّبٍ بها، والحماس الوقتي لا يصلح أن يكون استراتيجية.
بل المطلوب أن تكون هناك خطط تفصيلية وحلول استباقية لأي مشكلة متوقعة أو حاجة طارئة، كفاءة المؤسسة بقدرتها على إرضاء المتعاملين معها، ومقياس نجاحها قدرتها على تقديم خدماتها بالجودة والكم والتوقيت الذي يناسب العميل، وليس بشهادات آيزو مُعلّقة على الجدران، أو الفوز بجوائز جودة لا تُرى ترجمتها على أرض الواقع!
الرسالة الرابعة التي أتت، كانت من صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي حاكم عجمان، حفظه الله، والذي استقبل ذلك المواطن بعد تلك الواقعة فوراً، تقديراً من القيادة لأبنائها، واهتماماً بما يُهمّهم، وفيها كان سموّه واضحاً، وهو يؤكد أنّ الحكومة فتحت مثل هذه القنوات الإعلامية، لكي توصِل صوت المواطن لها، وتقف على احتياجاته، وتسعى لتذليل كل العقبات التي قد تواجهه، موقفٌ سيبقى في نفوس الناس لأعوامٍ طويلةٍ قادمة.
ذاك الموقف الغريب الذي لم نعتد عليه في بلادنا، والطريقة الرائعة التي تعاملت بها قيادات البلد معه، جعلت الوطن بكامله ينام بأهنأ بال، لم يكن الشعب في شك من حرص قيادته الرشيدة عليه، ولكن المواقف العظيمة تزيد الإيمان رسوخاً، ويكفي أن أحاديث المجالس ورسائل الواتس أب وتغريدات تويتر، لم يكن لها من حديث سوى الموقف العظيم لقيادات البلد في تعاملها مع ذلك الموقف.
فعبارات الشكر تقصر عن تعبير ما يختلج بنفوسنا لهم، وإنْ كنّا نعلم أنهم، حفظهم الله، لا يطلبون شُكراً، ولكن من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم «أنّ من لا يَشكُر الناس لا يَشْكُرِ الله»، فالحمد لله على نعمة الإمارات، والحمد لله أضعافاً مضاعفة على نعمة قيادة الإمارات.