ما هكذا يكون النقد

ما هكذا يكون النقد

ما هكذا يكون النقد

 صوت الإمارات -

ما هكذا يكون النقد

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

دخل أحد الجُفاة على هارون الرشيد ولـما مَثُلَ بين يديه بقي صامتاً فترة حتى هدأ المجلس تماماً، ثم وجه حديثه للرشيد: «يا هارون، إني قائل لك قولاً ثقيلاً فاسمعه مني»، فرد عليه الرشيد: «لا سمع ولا طاعة، قد بُعِثَ من هو خير منك إلى مَن هو شر مني فقال الله تعالى له: «فقولا له قولاً ليناً»، فخجل الرجل وخرج غير مأسوف عليه!

أراد الرشيد أن يُذكر جميع من حضر ذلك المجلس بأدب النصح، فإن كان رب الأرض والسماء قد أمر نبيه موسى عليه السلام وأخيه هارون بأن يتلطفا في القول مع فرعون، فرعون الذي قال: «أنا ربكم الأعلى»، فكيف يجب أن يكون الحديث مع أخيك المسلم، عندما مدح الله تعالى نبيه قال: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، فالقلوب لا تجتمع حول سيئ الخلق والقول، فما الذي يدعو الإنسان أصلاً لكي يكون متهجماً وشرساً في غير موضع الهجوم والشراسة، إن الحق قائم بذاته ولا يحتاج لحدة في طرحه ليقبله الناس، والباطل هش لن ينفعه رفع صوت أو تلفيق أكاذيب لتمريره.

صُدِمتُ وصُدِمَ غيري من بعض الرسائل التي تناقلها «الواتساب»، هذا البرنامج الذي أصبح مرتعاً لبعض مرضى النفوس، وأتباع أصحاب الأجندات لتمرير ما يريدون من شائعات يدخلون فيها بعض الحقائق ولكن بصورة مبتورة ومنتقاة لكي تؤيد النتيجة التي يدفعون الناس لها دفعاً، ومن المؤسف أن البعض يبدو وكأنه نَذَرَ على نفسه أن يقوم بإعادة تمرير كل ما يصله حتى لو لم يقرأه، وحتى لو قرأه ووجد به اتهامات خطرة لبعض الشخصيات التي نعلم اجتهادها وحبها لبلادها، المشكلة أنك عندما تُعاتِب ذاك الشخص الذي مرر تلك الرسالة يكون الرد: «أنا بس طرشت اللي ياني، وإذا غلط الناس بيعرفون أن اللي فيها غلط»، طبعاً هذا عذر بارد، فالشخص هذا لن يقبل أن يتم تداول رسالة عنه يكون فيها شتمه واتهامه بخيانة الأمانة وانعدام الوطنية، فلماذا نقبل على غيرنا ما لا نقبله على أنفسنا!

أعرف معالي حسين الحمادي وزير التربية والتعليم جيداً، فالأخ حسين قبل أن يكون وزيراً للتربية والتعليم كان صانعاً للفارق حيثما حل وليس هو في حاجة لمديحي ولكن الحق والموقف الآن يتطلب أن أقول ذلك، فهو من أسس معهد التكنولوجيا التطبيقية، والذي يعرف القريبون من القطاع التعليمي أنه علامة فارقة في مسيرة التعليم لدينا بجودة المناهج وقوة المخرجات، كما قام بتأسيس معهد أبوظبي للتعليم والتدريب المهني ADVETI وهو في ذات الوقت رئيس مجلس أمناء جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز ورئيس اللجنة العليا لبرنامج محمد بن راشد للتعلم الذكي، ولو لم يكن جديراً بذلك ما تولى هذه الملفات التعليمية المهمة.

 

إن تلك الرسائل التي تهجمت على الأخ حسين الحمادي افتقدت أدب الإسلام ومروءة العرب و«سْلوم» أهلنا، ومجرد الادعاء بأن المتحدث هو «مستشار الوزارة» لا يعني شيئاً، فالنَفَسَ الـمُتشفي في ذاك الحديث كانت تدفعه رغبة عارمة في تشويه السمعة، والسعي لإلقاء كل أخطاء الوزارات السابقة للتعليم على الوزير الحالي أمر لا يقبله عاقل، ومحاولة الزج بأسماء أشخاص آخرين لتسويق كذبة تعيين الأهل والأقارب في المناصب القيادية لا تنطلي إلا على البسطاء، فالجيد مرحب به ومن حقه أن يحصل على فرصة لخدمة بلاده، ولا يُقبَل منطقياً أنْ يتم استثناء كفء لمجرد كونه من ذات قبيلة المسؤول، إنْ سِرنا على مقترح صاحب التسجيل فمعنى هذا أن كل مسؤول جديد لا بد أن يتخلص مِن كل مَن هو من قبيلته حتى لا يُتَهَم بالمحاباة والواسطة، وهو أمر سيجعل كل مؤسساتنا ينعق فيها البوم لأنها ستكون خالية، قبائلنا معروفة وعيالنا «مب من كثرهم»، فليتقِ الله البعض الذي يخرج علينا بمطالب لا يمكن تنفيذها في أرض الواقع، هنا لا أتحدث عما تفعله قلة قليلة ممن تحيل بعض المؤسسات إلى مؤسسة له ولربعه فقط، أولئك قلة وحالات شاذة لا يصح تعميمها وبناء قاعدة عليها.

الأخ حسين لا يملك عصا سحرية، لكنه يملك سجلاً رائعاً كمنجزات في فترته السابقة، وملفات الوزارة كثيرة والتحديات متزايدة و«المثبطون» عديدون و«المترصدون» كُثُر، والبعض الناقم يريده أنْ يُصلِح كل شيء في فترة وجيزة، إن المنطق لا يقبل أن أمراً تراكمت أخطاؤه لسنوات طويلة يكون بالإمكان إصلاح كل شيء فيه في غضون أشهر، فكلما كان المرض مستأصلاً احتاج العلاج لفترة أطول لكي يُعطي مفعوله، والخطط الطموحة لا تحتاج لقائد متميز فقط، بل تحتاج لأن يشعر كل شخص في القطاع التعليمي بمسؤوليته أمام ربه وأمام وطنه وقيادته فيكون عوناً لا كَلاً، مبادِراً لا متفرجاً، جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة، وبلادنا تزخر والحمد لله بالكفاءات المخلصة من الجنسين في التعليم وما نحتاج إليه أن يتكاتف الجميع وأن يضعوا لأنفسهم خياراً وحيداً لا غير: أن ينجحوا في إحداث النقلة المخطط لها!

إن التغيير ليس بعملية سهلة، لكنه أمر لا مفر منه، فمن لم يتغير تخطاه الآخرون، ومن لم يطور أدواته ومخرجاته التعليمية فلن يستطيع أن يفي بحاجة الدولة لكفاءاتٍ من نوعية محددة قادرة على ترجمة خطط الدولة ومشاريع الحكومة الطموحة للغاية على أرض الواقع، نحتاج لمن يقف مع الأخ حسين ويُعينه على تحقيق ذلك، وهو قادر على ذلك إن وقف معه إخوته وأخواته في القطاع التعليمي، الوقت وقت عمل لا وقت «تنبيش» عن شائعات ما أنزل الله بها من سلطان، والمرحلة مرحلة عطاء ونكران للذات وليست مرحلة تشفٍ أو تمجيد عصر بئيس بائد، ومن أراد خير بلاده وأهله فليقل خيراً وليشمّر عن ساعديه، وليدع رسائل «الواتساب» المغرضة جانباً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما هكذا يكون النقد ما هكذا يكون النقد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates