بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
أرسل لي أحد الأحبة، رابطاً أثلج صدري بما احتواه من خبر، الأمر يتعلق بمبادرة لمركز أبوظبي التقني، وإطلاقه برنامجاً لتجارة التجزئة، تستهدف توفير التدريب للشباب المواطنين الراغبين في العمل بقطاع تجارة التجزئة بالدولة، ومساعدتهم بإيجاد فرص توظيف لهم في هذا المجال الواعد، والذي يتطلّب بدوره مهارات معينة، لا بد من وجودها في المتقدمين للعمل فيه، وكم كان جميلاً، ذكر إحدى المؤسسات الوطنية، والتي قامت بمنح فرص عمل لخريجي تلك المبادرة الجميلة، وهي وقفة تُحسَب لها، ونتمنى أن نرى مثلها من «الجميع».
إنّ المجتمعات المستقرة، هي تلك التي يجد فيها أفرادها فرصة للعيش الكريم، والمساهمة في بناء بلادهم، فمن ينشغل بالعطاء والعمل، ويشعر بقيمته وأهمية مشاركته، لن تجرفه المستنقعات الآسنة ولا من يرعاها، ونحن في بلدٍ، والحمد لله، يرفل في النعمة، وينعم بالأمن، وتؤمه على الدوام أعدادٌ متزايدة من البشر، رغبةً في أن ترى الحياة كما يترجمها الإنجاز والطموح الإماراتي على مشهد الدنيا في أبهى صورة ممكنة، وكم هي كثيرةٌ تلك المسوحات التي أطلقتها المنصات الإعلامية المحايدة، واستهدفت سؤال شباب العرب عن الدولة التي يحلمون بالعيش والعمل فيها، فلم تكن الإجابة أميركا أو السويد أو أستراليا أو اليابان، ولكن الإجابة دوماً كانت: الإمارات!
ما يستعصي على الفهم، أن البلد يمر بفورة اقتصادية وتنمية جيدة على كل القطاعات، والوافدون على الدولة يتزايدون باستمرار، بعد أن قدّمت الإمارات نفسها بجدارة، دولةً للأحلام وملاذاً يوتوبياً لتحقيق الطموحات، لكن ما زالت هناك نقطة تحتاج للتوقف وإيجاد علاج لها، رغم أنه لا يفترض أن تكون موجودة أصلاً، وهي انحصار الشباب المواطنين في الأغلب في وظائف القطاع الحكومي، وابتعادهم أو ربما «إبعادهم» من فرص العمل المتزايدة في القطاع الخاص، والتي تستقبل كل جنسيات العالم، لكنها تضع التبريرات تلو التبريرات، عندما يكون التساؤل البديهي: أين ابن البلد من هذه الفرص؟.
إن القطاع العام أو الحكومي، قد أصبح مُتخماً تماماً، ولا يُفترَض أصلاً بالقطاعات الحكومية، أن تكون المكان الأكبر لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين الراغبين في العمل، ففي كل دول العالم المتقدم، يكون القطاع الخاص هو محور التوظيف ومرتكزه، لكن الوضع لدينا يبدو معكوساً، لتقاعس القطاع الخاص، إلا مَن رحم الله، عن القيام بدوره، فهم يضعون عشرات المسببات، ويختلقون الكثير من الأمور لكي يتملّصوا من واجبهم في توظيف أبناء البلد الذي يأكلون من خيره، ويستفيدون من مزاياه، لكنهم فعلاً لا يرون أبعد من «جيوب» أصحاب تلك المؤسسات، التي امتلأت كثيراً من خيرات البلد، ثم ليذرّوا الرماد في العيون، يخرجون بمشاركات شكلية في المناسبات الوطنية، لكي يضعوها في «البروفايل»، كأحد أدوارهم العظيمة في مساهمات المسؤولية الاجتماعية CSR!
إن عدم توفر فرص عمل كافية، أصبح هماً متزايداً لدى فئات من الشباب، وإنّ من واجبنا أن نسعى فوراً، وكأولوية غير قابلة للتأجيل، لإيقاف كرة الثلج المتدحرجة هذه، قبل أن تكبر وتستعصي على العلاج، فالقطاع الخاص، لا بد أن يتحمل مسؤوليته، ولا بد أن يتم سَنّ قوانين ملزمة لتوطين قطاعات محددة، تتسع بمرور الوقت، فترك هذا القطاع لكي «يحسّ على دمّه»، لن ينفع دون ضوابط وتشريعات، والربح من طرف واحد لا ينفع لبناء الأُمم، بل لا بد أن تكون منفعة متبادلة Win-Win، خُذ، ولكن لا بُدّ أن تُقدّم في المقابل، أما حُجج أننا ندفع رسوم إصدار تراخيص وندفع إيجارات وما شابه، فهذا لا ينطلي على أحد، لأن كل دول العالم تفعل ذلك، لكنها في المقابل، تلزم شركات القطاع الخاص بتوفير فرص عمل لسكان البلد، لا أن يقوموا بتوظيف كل سكان بلدان الكرة الأرضية، ويستثنون منهم سكان البلد الذي يعملون فيه فقط!!
في مسارٍ موازٍ أيضاً، من الضرورة بمكان، أن تحذو بقية الجامعات والكليات حذو مركز أبوظبي التقني، فلا نريد أن تغرّد الجامعات والكليات وحيدة وشاذة عن سرب المطلوب من التخصصات، فلا معنى لأن أرى آلافاً من الشباب الخرّيج كل عام، وعلى وجوههم ابتسامة الطموح والحماس للمساهمة في بناء وطنهم، ثم نجد القطاع العام قد تشبّع، ولم يعد يستوعب إلا النذر اليسير، بينما القطاع الخاص يعطي الوضع الأُذن «الصمخا»، وكأنّ الأمر لا يعنيه، وهو يتحجّج باختلاف التخصصات عن المطلوب لديه!
لا بد من وقفة جادة وفورية مع تخصصات الجامعات، فالاستمرار بالوضع الحالي، مؤذٍ للغاية، وتبعاته المستقبلية لن تكون هيّنة، وقد تستعصي على كل أساليب العلاج، إن أردنا أن تتغيّر النتائج، فلا بد أن نُغيّر المدخلات أو طريقة التعامل مع تلك المدخلات، بمعنى أن يتم توجيه التخصصات، لكي تلبي احتياجات القطاع الخاص، حتى لا نرى حُججاً جاهزة على الدوام، بعدم التوافق بين المطلوب والمتوفر، ونحتاج أيضاً برامج توعية مستمرة، لتغيير الثقافة السائدة بالبحث عن وظائف الحكومة فقط، لأنها أكثر استقراراً وأماناً، نحتاج أن نزرع أكثر قيم التحدي والكفاح والطموح العالي في نفوس الناشئة قبل الشباب، لن تكفينا بالطبع مبادرات لأسبوع واحد، ثم تعود الأمور لما كانت عليه، بل لا بد من الاستمرار في ترسيخ تلك الرسائل، حتى نحصل على التغيير المطلوب، والأهم، أن يعرف الجميع الهدف العظيم والطموح الذي نبتغي، والجهد الذي نحتاج من كل شخص لتحقيقه، لا بد أن يعي الصغار والشباب فعلاً، ما المقصود بكلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «أنا وشعبي.. نحب المركز الأول».