خاف الله في أهلك

خاف الله في أهلك!

خاف الله في أهلك!

 صوت الإمارات -

خاف الله في أهلك

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

عندما اجتاح العالم القديم عام 749هـ ما عُرِفَ بالطاعون الأسود وفتك بالبشر بطريقة غير مسبوقة، لدرجة أن مدينة مالقا الأندلسية كان يموت بها بسببه كل يوم قرابة الألف إنسان، واستمر بها أشهراً، ما دفع بالوزير لسان الدين بن الخطيب الغرناطي أن يؤلِّف كتاباً أسماه «مِقْنَعة السائل عن المرض الهائل»، ذكر به خطر هذا المرض وكيف يأتي وكيف يُحتَرَز منه، والمقنعة هي القناع الذي يغطى به الوجه، وكأنّ ما يجري الآن مرّ بمَن قبلنا، الغريب أيضاً أن المؤرخ أبو جعفر بن خاتمة يذكر أنّ ذاك الوباء بدأ في بلاد الصين ثم انتشر!أخبار انتشار وباء «كورونا» أو «COVID 19» لا تسر إطلاقاً، فالبشر يواجهون كارثة صحية هم سبب تفشّيها وازدياد خطرها، فأعداد المصابين المؤكدة جاوزت الربع مليون إنسان وهم يزدادون بشكل متسارع للأسف، والوفيات جاوزت العشرة آلاف وهي بزيادة كذلك، وإذ نجحت الصين في كبح جماح المرض، ومر اليومان الأخيران دون إصابات جديدة، فإن إيطاليا والتي يقل عدد سكانها عن الصين بعشرين مرة قد تجاوزت الوفيات بها وفيات الصين، وفقدت السيطرة تماماً على احتواء الوباء، الذي أصاب أكثر من 42 ألف إنسان، ويزداد بشكل جنوني، ينافسها في هذا الانهيار إسبانيا وألمانيا وإيران والولايات المتحدة وفرنسا !البشر هم السبب ببساطة، فقد أصبحوا «عبيداً» لعاداتهم الاجتماعية التي لا يستطيعون الفكاك منها أو على الأقل «لَجْمها» لفترة من الزمن حتى تمر العاصفة، وذهبت كل أوهام الثقافة والوعي والنضج الفكري أدراج الرياح عند أول اختبار حقيقي للإنسانية، إذْ أظهرت هذه الأزمة كثيراً من الناس لا مبالين، مستهترين، أنانيين، لا يهمهم إن تسبّبوا في كوارث لبلادهم وأهاليهم!

سن شوبينغ نائب رئيس الصليب الأحمر الصيني، والذي نجح مع رفاقه في ترويض فيروس «كورونا» في مدينة ووهان الصينية، والذي فوق ذلك يُساعد إيطاليا حالياً في التصدي للفيروس، يؤكد أنّ الوضع في مقاطعة لومبارديا وفي مدينة ميلان تحديداً غير كافٍ لمواجهة الفيروس، فالمواصلات العامة ما زالت تعمل، والناس ما زالوا يتسكعون في الجوار، والحفلات في الفنادق ومآدب العشاء الجماعية في الأحياء لا تتوقف، يقول إنه: «لا بد من الصرامة وأنْ تُوقَف جميع الأنشطة الاقتصادية ويُمْنَع الناس من التحرك» كما صنعوا في ووهان، يعيدها من جديد: «لا بد أن يبقى كل شخص في منزله!».

من جهته أصدر حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوم أمراً لكل قاطني الولاية والبالغين قرابة 40 مليون إنسان بلزوم منازلهم، بعد أن بلغت الإصابات المؤكدة 900 حالة والوفيات 19 حالة، وأضاف أنّ قرابة 25.5 مليون إنسان من سكان الولاية سيصابون بالفيروس خلال الأسابيع الثمانية المقبلة، أما ايزابيل دياز أيوسو عمدة مدريد فقالت: إن 80% من سكان العاصمة سيصابون بالفيروس لأن الإسبان كجيرانهم الإيطاليين شعب اجتماعي لا يستطيع التخلي عن تجمعات الأمسيات الشعبية الصاخبة، المحزن هنا أن دياز نفسها تبيّن أنّها مصابة به، على طرف ثالث من القارة العجوز تظهر قصة مبكية عن لندن التي يزيد سكانها على الملايين التسعة، حيث يصف حالها تقرير CNN بأنها ببساطة «أرفف متاجر خالية من الأطعمة وحانات مليئة بالناس!».

البعض لدينا في دولة الإمارات ما زال يسابق الدنيا بإعادة إرسال رسائل الواتساب المحذّرة والتي تُطالب بلزوم البيوت وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، حتى تظنّه أن من شِدّة حرصه يسكن في قبو المنزل حتى لا يرى أحداً أو يراه أحد، ثم تصاب بالصدمة عندما تعلم بأنه يتسكع في الأماكن العامة كما كان في الأيام الخوالي، ويجلس بالساعات في المقهى المعتاد وكأنّ لديه «صك حماية» من الوباء يجعله يتصرف بهذه الطريقة اللامسؤولة، والبعض ربما يظن الفيروس «حضري» ولن يقترب من البدو، لذلك ما زالت التجمعات في عِزَب الحلال قائمة دون اكتراث لتوجيهات الدولة!

أعلم بأنّ الوضع يصعب استيعابه، وما اعتاده الإنسان كونه جدولاً يومياً لا يستطيع التخلص منه أو تعديله بسهولة، ولكن تذكّر أنّك بخروجك غير المبرر وارتيادك أماكن التجمعات لا تحمل خيوط المرض أو ربما شبح الموت لنفسك ولكن أنت «تُقامِر» لا تُغامِر فقط بحياة أفراد عائلتك، فسوالف المباريات مع «الربع» ليس بأهم عن حياة أُمّك، وكوب الكابتشينو داخل المقهى لن ينفعك إن عرضت حياة طفلك للخطر، و«الزمط» في العزبة أنّ بنت صوغان أفضل من بنت هملول لن يُبعِد حُرقة قلبك إن تسببت بفقدان فرد من عائلتك أو أكثر!

لا تحدثني عن الثقة بالله وأنت تستهتر، ولا تأخذ بالأسباب ولا تتأسى بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تُصدِّع رأسي بالوطنية وأنت تخرج رغم توجيه ولاة الأمر بلزوم المنازل مؤقتاً، ولا تكلمني عن العقل والثقافة وأنت تضع حياتك وحياة عائلتك على محك الموت من أجل جلسة «مغفّي» آخر أو من أجل قدح قهوة، إن لم تكترث بسلامتك فاكترث بسلامة من تعود إليهم وهم آمنون، فتقلب أمنهم خوفاً، اِلْزَمْ بيتك و«خاف الله في أهلك»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خاف الله في أهلك خاف الله في أهلك



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 06:14 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين
 صوت الإمارات - العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates