بين المغالين والمغفّين

بين المغالين والمغفّين!

بين المغالين والمغفّين!

 صوت الإمارات -

بين المغالين والمغفّين

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

يقول سن تزو في كتابه فن الحرب: «انزف الكثير من العَرَق في السِلْم، لتنزف القليل من الدم في الحرب»، فالأزمات لا بد أن تخرج بين الفترة والأخرى، والمصاعب لا محالة أنها ستظهر لتكشف معادن الناس، وحينها فقط سنعرف مَن أحسن البذر فحَمِدَ موسم حصاده، ومَن انشغل بالمفضول عن الفاضل والمهم عن الأهم، حتى وجد نفسه في وضع لا يسر حتى العدو!

مؤخراً وبعد طول تردّد صنّفت منظمة الصحة العالمية تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بوصفه وباءً عالمياً «جائحة Pandemic» وهو ما أرجعه رئيس المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس لسببين رئيسين هما: سرعة تفشي العدوى واتساع نطاقها حيث تضاعف العدد خارج الصين بمقدار 13 ضعفاً، ثم القلق الشديد إزاء التراخي و«قصور» النهج الذي تتبعه بعض الدول للسيطرة على هذا التفشي للفيروس والذي أدى إلى وفاة 4923 شخصاً على الأقل منذ ظهوره في ديسمبر، وقد أحصيت أكثر من 131.460 إصابة في 116 بلداً ومنطقة منذ بداية الوباء، والرقم قد يكون أكبر من ذلك بكثير لعدم كشف بعض الحكومات عن وجوده أوعن أرقامه الحقيقية!

عند ظهور مشكلة لابد من الاعتراف بها أولاً حتى نبدأ مرحلة وضع حلول لها، لكن من المهم أيضاً أن نحرص على الدقة والبعد عن الضدّين: المبالغة والاستخفاف، فالمبالغة في بيان حالة المرض وأسبابه وطرق انتشاره تجعل البعض ينشر جوّاً مُظلماً مُسمّماً للأرواح وكأنّ الموت مصير الجميع، وعلى الطرف الآخر أشخاصٌ من خارج هذا الكوكب لا زالوا لا يرون في هذا المرض ما يُعكّر المزاج أو يبعث على القلق، وتراه يغضب إن طالب أحدهم بالبعد عن التجمعات وعن أماكنها كالمراكز التجارية وأشباهها، ويُستميت في مهاجمة من يذكر قلّة روّاد المراكز كإجراء احترازي تُشجّع عليه المؤسسات الرسمية بالدولة، فالأول متنطّع مُغالي والآخر مستهتر«مغفّي»!

رغم أعداد المتعافين المتزايدة في كوريا الجنوبية والتي يبلغ عدد مصابيها 7979 تقريباً، إلا أنّ رئيس الوزراء تشونغ سي كيون قال إنّ الحكومة «ينبغي ألا تشعر بالراحة لانتشار المرض بشكل مقلق ومتزايد خارج الحدود»، وأنّ «المعركة ضد فيروس كورونا أصبحت الآن معركة عالمية»، بينما قالت صوفي ويلميس رئيسة حكومة تصريف الأعمال البلجيكية إنّ الصيدليات والمتاجر ستظل مفتوحة بينما ستكون المتاجر الأخرى «مُلزَمة» بالإغلاق في العطلات الأسبوعية وأوضحت السبب بقولها:«نريد أن نتجنب الوضع الإيطالي وتفادي إغلاق المناطق»، إذ يبدو أن المؤسسات الإيطالية كانت «مغفّية» وتعيش مرحلة إنكار غير مسبوقة، رغم تجاوز الإصابات لديها لخمسة عشر ألفاً، وتخطي وفيات الفيروس حاجز الألف إنسان!

مؤسسات «مغفية» أخرى كانت في بلاد العم سام، حيث قتل الفيروس أكثر من 40 شخصاً من مجموع 1300 شخص لتتكبّد أسواق الأسهم الأمريكية بسبب المخاوف خسائر كارثية، الأمر الذي أوجد فرصة ذهبية للمرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن ليطعن في الحكومة الحالية بقوله:«إنّ إخفاق الإدارة حيال الاختبارات أمر هائل، إنه فشل في الإعداد والتوجيه والتنفيذ»، ودعا بايدن «لعدم اللجوء إلى كراهية الأجانب»، رداً منه على تصريحات للرئيس ترامب مساء الأربعاء، مضيفاً «إن وصفه بأنه (فيروس أجنبي) لا يمحو مسؤولية القرارات السيئة التي اتخذتها إدارة ترامب»!

هناك خيط رفيع بين المغالاة وبين الصراحة، بين باذر اليأس وبين قارع أجراس التحذير، فعندما كان الرئيس الفرنسي ماكرون يؤكد أنّ فيروس كورونا هو أسوأ أزمة صحية نواجهها في القرن الحالي، وأنّ الأزمة لا زالت في بدايتها لأن الفيروس ينتشر سريعاً في أوروبا، كان جونسون رئيس الوزراء البريطاني يدّعي الصراحة وهو يقول للناس إن كل بيت سيفقد عزيزاً عليه بسبب المرض!

البعض يريد أن يهرب من فشله في استباق المشكلة والاجتهاد المضاعَف للتحكم بها إلى نشر بشارة: «في كل بيت سيموت لديكم شخص»، وهو تصريح غريب يبيّن عدم كفاءة تلك الأجهزة المسؤولة عن حياة الناس والتي يفترَض أن تقوم بالمحال وتذوق المرّ لإيجاد حل، كما فعلت رئيسة بلدية مونتريال الكندية فاليري بلانت باحتمال وضع الجزيرة وسكّانها الذين يقدّرون بمليونين قيد حجر صحي، إنْ كان تقييد الحرية «مؤقتاً» سيُنقذ أُمّةً من الموت فهو إذن الحريّة المطلوبة!

هنا لا بد أن نشير إلى ثناء منظمة الصحة العالمية على كفاءة النظام الصحي في دولة الإمارات، ونجاحه في مواجهة انتشار الفيروس، فقد كان التفوق في إدارة الأزمة ملحوظاً وفعّال النتائج من خلال مبادرات استباقية سريعة تم فيها اكتشاف الحالات المصابة مبكراً وعلاجها بنسبة تعاف مشجعة، وتنفيذ برامج للحجر والعزل الصحي وتجهيز فرق طبية متخصصة، حتى غير المؤمَّن لهم تمت تغطيتهم بالتأمين الصحي مع تعزيز مخازن المستلزمات الطبية، وفضلاً عن التوجيه بعدم السفر إلا للحالات الطارئة جداً، فقد تم تفعيل أنظمة للكشف الحراري في المطارات والمنافذ البرية والبحرية وأماكن التجمعات والمراكز التجارية، وتم تعليق دوام المدارس بكافة فئاتها وتطبيق منظومة التعلم عن بعد ويتم حالياً إيجاد آليات للعمل عن بعد في حالة استدعت الضرورة ذلك، هنا لا ننسى فرض وزارة الاقتصاد لغرامات مالية كبيرة لكل من يتلاعب بأسعار المعقمات، التفاصيل الصغيرة تخلق الفارق دوماً.

المنعطفات الحرجة في التاريخ تنتظر رجالاً عظماء للتعامل معها بعقلانية وحزم، فلا تهاون ولا تنطّع، ولا «كل الأمور طيبة» ولا «ستودع كل عائلة عزيزاً عليها»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين المغالين والمغفّين بين المغالين والمغفّين



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates