حُرّاس الفضيلة

حُرّاس الفضيلة

حُرّاس الفضيلة

 صوت الإمارات -

حُرّاس الفضيلة

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

كنت ذات مساء في سيارة أحد الأصدقاء، دخلنا لمنطقتي السكنية وإذا بمجموعة من النساء يقطعن الطريق الداخلي، فتوقف على مسافة بعيدة عنهن وأطفأ أنوار السيارة الكبيرة حتى يعبرن الطريق، ثم أعاد إشعال الإضاءة وأكملنا مسيرنا، قد يبدو الموضوع بسيطاً لكنه فعلاً يشير لرقي أخلاق مجتمعنا الإماراتي ومروءته وخيريتّه التي لا تجارى وخصلة الحياء التي لا تفارقه.

البعض يخرج أحياناً بطرحٍ غريب كلما سَمِع شخصاً أو قرأ له أموراً تدعو لمكارم الأعمال ومحاسن الأقوال، فيطالبه بأن يكون هو بنفسه مثالاً كاملاً لما يدعو له وإلا فليلتزم الصمت، وكثيراً ما يكون الـمُتّكأ البيت الشهير: «يا أيها الرجل الـمُعلِّم غيره»، فما لم تكن شخصاً مثالياً وإلا فلا تتحدّث عنها وما لم تكن مُطبّقاً لما تنادي به وإلا فلا تطلب من غيرك ذلك، وهذا منحى غريب لا يؤيده نقل ولا يدعمه عقل!

المعصومون، الكاملون، المثاليون تماماً هم الأنبياء عليهم السلام، وقد خُتِموا بوفاة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فمن بقي حتى قيام الساعة بَشَرٌ يُحسنون تارة ويُسيئون تارة، يُصيبون مرة ويُخطئون أُخرى، فمَن طلب إنساناً كاملاً لا يُخطئ ولا يتعثّر حتى يكون جديراً بأن يستمع لنُصحه فإنه سينتظر للأبد دون طائل، فالحكمة تُؤخذ لذاتها وليس لمن نقلها، كما في الحديث الشريف: «رُبَّ حامل فقهٍ ليس بفقيه»، فحيثما كانت كلمة الخير وكيفما كان حال مَن نقلها فهي تُقبَل، لأن تقصير مَن حَمَلها لن ينتقل معها، كما قال الشاعر:

اسْمَعْ لقولي وإنْ قَصَّرتُ في عملي ينفَعْكَ قولي ولا يَضْرُرْكَ تقصيري.

لو لم يأمر بالخير إلا الخيِّر الكامل لانتهى الخير من الدنيا لأنه لا يوجد ذلك الإنسان، فالضروري نقلاً وعقلاً أن يتواصى الناس بينهم بما يحفظ إنسانيتهم وما يُعزّز قيمهم وما ينفعهم في دنياهم بنشره وفي أُخراهم بأجر مَن عَمِل به، ولئن نَفَرَت النفوس السويّة مِن أن تكون مفاتيح للشر أو دُعاةً للرذيلة، فإنّها تتمنى مهما كان عملها أن تكون مفاتيح للخير، وكم سيكون أجمل لوسَعَت تلك النفوس لأن تكون مِن حُرّاس الفضيلة، ليس بالتعدي على حُرّيات الآخرين أو الوصاية عليهم أو ممارسة أدوارٍ مُناطة بجهات رسمية، ولكن بنشر كلمة الخير والدعوة لمكارم الأخلاق والحث على فعل المحمود من الأفعال والبعد عن رديئها، والاجتهاد ما استطاع لأن يكون مثالاً حيّاً لما يدعو له.

 

من حراسة الفضيلة أن تعمل الخير لكي يبقى حياً على الدوام، وأنْ تُشجّع سواك للعطاء لوجه الله تعالى دون انتظار مقابل، فالعطاء المشروط لا بركة فيه في أُخرى ولا أثر طيّب له في دُنيا، بل إنّ مجرد الشعور قد يؤجَر عليه الإنسان ويكون محموداً إن تمنّى الخير لغيره وفَرِح لما يُسعدهم، فها هو سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه يقول في تأكيد هذا المنحى: «أربعٌ مَن كُنّ فيه كان من خيار عباد الله: مَن فَرِحَ بالتائب، واستغفر للمذنب، ودعا المدبر، وأعان الـمُحسِن»

من حراسة الفضيلة أيضاً أن تجتهد ما استطعت فلا تكتب في منصات التواصل الاجتماعي إلا الخير، ولا تكن مشاركاً في نقل أي رأي فاسد أو وجهة نظر باطلة لمجرّد أنّها حديث الساعة ويدندن حولها الكثيرون، فكل جملةٍ تضعها سيتلقفها ويؤيد نهجها مَن يُتابِعك ويثق بك، فإن كانت خيّرة ساهمت بنشر الخير في مجتمعك، وإن كانت مُفسِدةً كنت حاملاً لوزرك ووِزْر من أخذها مِن خلالك وخنجراً يمزق في نسيجه المجتمعي المتماسك دون أن يدري!

لا مكان للوصاية على الخلق، ولكن مع انتشار الإعلام الحديث وتفشي الغث به وتُخمته بمروّجي الأجندات المريبة فإنّ الحاجة مُلحة لكي يقف المقتدر مع هويته ومنظومته الأخلاقية، وأن يسعى ما استطاع لكي يُبقي شعلتها حيّة تنير الطريق، لمن كاد أن يُضِيع وِجْهته، حامل الشعلة هذا لا يُطلَب منه أن يكون معصوماً ولا مثالياً، بل يكفي أن تكون نيّته سليمة وأن يفعل الخير أو ينشره وإن كان مقصّراً كبقية البشر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حُرّاس الفضيلة حُرّاس الفضيلة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 06:14 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين
 صوت الإمارات - العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates