بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
يروي الإمام أحمد أنّ جابر بن عبدالله رضي الله عنه مَرَّ على سيدنا عُمر بن الخطاب رضي الله عنه بِلَحْمٍ اشتراهُ بدرهمٍ، فقال له عُمر: «ما هذا؟»، قال: لحمٌ اشتريتُهُ بدرهمٍ، قال: «أوَكُلَّمَا اشْتَهَيْتَ شَيْئًا اشْتَرَيْتهُ!، ألا تخاف أن تكون مِن أَهلِ هذه الآيةِ: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا)».
في رواية أخرى زيادة قول الفاروق رضي الله عنه: «لولا يطوي أحدكم بطنه لجاره وابن عمه»، أي ماذا لو أنّ أحدكم تحمّل جوع نفسه وأطعَمَ جاره وقريبه، هي التربية التي تنفّسوها وعاشوها من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بأنّ من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وماذا سيكون أكثر حَرَجاً من مصاعب الحياة وانعدام القوت وقلّة ذات اليد!
لا يعرف الفقر إلا مَن عاناه، ولا الحاجة إلا من عضّته بنابها، فأسْهَرَت ليله وضيّقت عليه نهاره، وعندما ينام أحدنا مُطمئناً مُنَعّماً بفضل الله تعالى، فإنّ مَن يعيش في فقر مدقع يتجاوزون التسعمئة مليون إنسان منهم 322 مليون مسلم حسب إحصائية عام 2015، ويتوقع البنك الدولي أن وباء «كورونا» الحالي قد يزيد العدد ويدفع بما بين سبعين إلى مئة مليون شخص إلى الفقر المدقع في 2020.
ليس مطلوباً مِنّا أن نُصْلِح الكون ولا أن نحل مشكلة الفقر، لكننا مُطالبون بمساعدة مَن حولنا في نطاقنا الجغرافي، ففوق مد العون للفقراء فإنّ من المهم أن تتعاهَد المتعفّفين مِن جيرانك، أقربائك، العُمّال، المغتربين ذوي العائلات الكبيرة، فقد أخرج البزار والطبراني في الحديث الصحيح عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله: «ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلم به»، وقد بينّ نبي الرحمة أنّ الخير يُدرَك بالشيء البسيط، فقال لأبي ذر في الحديث الذي رواه مُسلم: «يا أبا ذر، إذا طبختَ مرقةً فأكثِر ماءها- أي: إذا طبخت لحماً فأكثر ماءه- وتعاهد جيرانك»، وكلمة التعاهد هنا مقصودة لدوام تفقد حالهم، فالمُتعفِّف يخجل من السؤال والمتوجّب على القادر أن يحفظ ماء وجهه.
ليس مبالغة ولكن الواقع المعيش يؤكد ذلك، فهناك من أرهقتهم الديون وانسدّت عليهم أبواب الحياة، ومنهم من دخل السجن لعدم قدرته على سداد ما يدين به، بل إنْ البعض أقدم على الطلاق لأنه لا يستطيع النفقة، والبعض لم يجد له مخرجاً إلا بالوقوع في شَرَك الأمور السيئة لكسب المال، بل إنّ المؤلم أنّ هناك من لا يستطيع تسديد فاتورة الكهرباء أو الماء فما بالك بغيرها، فأين نحن عنهم!
كم هو عظيم عند الله عندما تترك شراء هاتف جديد لديك قديم مثله وتتبرّع بقيمته لمحتاج ليشتري ثياب عيدٍ لعياله، كم هو عظيم عند الله عندما تتركين شراء حقيبة شانيل أو لويس فيتون بسبعين ألفاً لتساعدي شخصاً تحتاج أمه أو طفلته عملية جراحية عاجلة، كم هو عظيم عند الله عندما توفّر نفقة رحلة مع الربع لمصايف أوروبا وتُسدّدها من خلال الجهات المختصة لكي يعود لصغارٍ وأمهم وجدّتهم والدهم المسجون بسبب عدم قدرته على سداد دَيْنٍ ما.
ليس لنا مِن أعذار، فهناك العديد من تطبيقات الهاتف الذكية التي بإمكانها استقبال تبرعاتنا وبما يمكن تحقيق أفضل استفادة منه، فهي تتنوع بين كفالة أيتام وحفر آبار مياه وتوفير مواد غذائية ومستلزمات دوائية وعلاج مرضى وشراء آلات خياطة ومعدات نجارة وزراعة وغيرها الكثير مما يُمكّن هؤلاء المنتفعين بالصدقات من الوقوف في معترك الحياة وتسهيلها عليهم وعلى عوائلهم.
بعضنا يُكدّس الحقائب التي تتراوح قيمتها من عشرة آلاف إلى المئة ألف أو يزيد، لتُستَخْدَم مرة واحدة، وهناك من يُغيّر سيارته كل عام وثالث لا يكتفي بمشاهدة مباراة ريال مدريد في التلفزيون بل لابد أن يسافر إلى إسبانيا من أجلها، وأخرى لا بد أن تُجدّد الأثاث الذي رآه الجيران في منزلها، هذا غير قصة الفستان الذي كلّف ثروة ليُلْبَس مرة واحدة ثم لا يصح أن يُلبس مرة ثانية، هنا لا نُحجّر على الناس أو نُضيّق عليهم ولكن هناك ما هو أولى من هذا التبذير، فأنْ تعيد توجيه هذه المبالغ الزائدة إلى مَواطِن تُغيث بها إخوةً لك وتؤجر عليها خير من جري وراء كماليات لن تنتهي، ولنتذكّر جميعاً قوله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس».