تأثير الفراشة

تأثير الفراشة

تأثير الفراشة

 صوت الإمارات -

تأثير الفراشة

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

ربما يعرف الكثيرون عن مفهوم تأثير الفراشة Butterfly Effect الذي يمكن اختصاره بأنّ بعض التفاصيل الصغيرة التي لا نلتفت لها غالباً يكون لها مع الوقت تأثيرٌ كبيرٌ، كذلك المصرفي اللص الذي كان يحول لحسابه كسوراً طفيفة للغاية من حسابات العملاء لا يُنتبَهُ لها فكوّن ثروة بالملايين، وكتأثير رفرفة أجنحة فراشة في الصين يمكن أن تولّد تياراً من الهواء يزداد قوة مع الوقت وديمومة الحركة لينتج منه إعصار يضرب سواحل أمريكا!

لستُ هنا للتغني بهذا المفهوم، ولكن من باب التذكير بأهمية دور كل إنسان مهما كان بسيطاً في خلق قيمة كبيرة لمجتمعه، فالإنجازات العظيمة غالباً ما تكون نتيجةً جَمْعيّة للعديد من التفاصيل الصغيرة والتي بضمها لبعض يخرج ذلك الأثر الكبير، لذلك من المهم أن نعلم أنّ إجراء تحسين طفيف في جوانب متعددة سيؤدي لا محالة بمرور الزمن لنتائج كبيرة وهي الفلسفة السحرية للنجاح التي اختصرتها المقولة العربية القديمة: «قليلٌ دائم خيرٌ مِن كثيرٍ مُنقطِع» !

إن اتفقنا على هذه النقطة نحتاج لأن نتفق بالتبعية على أمرين متلازمين: أولهما ضرورة العمل بجدية، فالتحسين الطفيف لا يعني تأدية العمل بدون نفس، والقليل الدائم لا يعني فُضالة المجهود، فالجدية ضرورة والاجتهاد مهم لمن أراد فعلاً أن يصنع فارقاً، فلا يفتخر أحدٌ بالإمكانيات أو الموهبة دون اجتهاد، فقد أثبتت وقائع الأيام أن العمل الجاد يهزم الموهبة «دوماً» إنْ لم تعمل الموهبة بجد!

الأمر الثاني هو معرفة المسار السليم حتى لا يذهب المجهود هباءً، وكما تقول الحكمة الألمانية: «ما فائدة الجري إنْ لم تكن على الطريق الصحيح»، ومِن معرفة المسار أن نكتفي من المناكفات فيما بيننا على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يتوقف البعض عن استماتتهِ الغريبة في استعداء الآخرين، وليكُن لنا في أنفسنا عن الآخرين شغل، فما يرفع أسهم الأمم منجزاتها الحضارية وأخلاقياتها العالية، أمّا الشتائم والإساءات فلم تكن في يومٍ من الأيام دليل رُقي شعب أو نُبل مجتمع.

في كل شدةٍ لُطفٌ خفي، ومع كل عثرةٍ فُسحة وقتٍ للنهوض، ولا يُغلَقُ بابٌ إلا ويُفتَح آخر، وما أزمة «كورونا» إلا حلقةٌ من حلقات مرت وستمر على البشر مثلها، هي موجعةٌ لا شك في ذلك، ولكن يُحسَب للبشر أنهم وجدوا مسارات أُخَر، فرغم إجراءات الحجر التي فُرِضَت إلا أنّ الحياة -رغم تأثرها- لم تتوقّف، ومع أنّ الوباء أثخن كثيراً في مشارق الأرض ومغاربها، إلا أنّه بلطف الله ساعد على إعادة اكتشاف البشر لإنسانيتهم بشكلٍ جلي، علموا خلاله أنّه لا معنى للحياة دون الآخرين، وأنّ «الجنّة بلا ناس ما تنداس»، وفوق ذلك أعادوا ترتيب أولوياتهم من جديد!

كم من متجر توقعنا أننا لا نستغني عنه، ومقهى لا يكتمل يومنا ما لم نمر به، ودار سينما كانت تُشكّل حجر أساس في نهاية الأسبوع للكثيرين، ومجلس اعتدنا زيارته، فوجدنا أن غيابها من جداولنا لم يوقف الحياة، ولكنه أوجد لنا بدائل أخرى ومع أشخاص أكثر أهمية: عائلاتنا!

كم من «جهاز بصمة» ظننا أنّه خير طريقة لضمان انضباط الموظفين، وقاعة اجتماعات مغلقة الأبواب لا تكاد تسمع فيها نَفَس أحد ولا يعلو صوت فوق صوت سعادة المدير ظننا أنها الطريقة الأمثل لاعتماد الخطط وتوزيع المهام ومراجعة المستجدات وإدارة الأعمال، وكم من ساعات زحام خنقت المدن كل صباح بسبب مواقيت المدارس والمؤسسات، فوجدنا أنفسنا مُرغمين نكتشف أنّ بالإمكان العمل والتعلّم عن بُعد وبالكفاءة ذاتها من مقاعدنا في صالات منازلنا!

هي فترة تعلمنا بها أنّ الحياة لا ولن تتوقف، وأنّ التغيير قد يحدث في أي لحظة، فيتعايش معه المرنون والعقلاء الواقعيون، ويتكيّفون مع ظروفه المستجدة غير المعهودة، هي فترة لنستخدم تأثير الفراشة، كما بدأ الكثيرون -مشكورين- بطرحِ محاضرات وعقدِ دروسٍ كلٌ في اختصاصه على منصات التواصل لإفادة مجتمعهم.

هي فرصة للحاق بالكبار، بنشر المعرفة الصحيحة وتعزيز القيم والمُثُل، والوقت يفرض على كل قادر أن يُبادر بالمشاركة بمثل هذه المحاضرات رفعاً للوعي وتعميقاً للمعرفة، فالوطنية عمل وليست شعاراً، واجتهاد وليست مجرد تغريدات، ومَن لم يتحرّك بنفسه لن يُحرِّك غيره، فاختر لنفسك أي الشخصين تكون، فقد قال عمرو بن عبيد: «مَن لم يُقدِّمه الحزم، أخَّرَهُ العجز» !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأثير الفراشة تأثير الفراشة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 02:38 2015 الجمعة ,02 كانون الثاني / يناير

باكستان من بين أسوأ عشر دول من حيث حرية "الإنترنت"

GMT 19:35 2013 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مطعم سياحي مفتوح للجمهور في أحد سجون لندن

GMT 09:53 2018 الأحد ,05 آب / أغسطس

ترجمة وتعريب 1000 درس في "تحدي الترجمة"

GMT 18:11 2015 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

طقس الأردن لطيف الأربعاء وغائم الخميس والجمعة

GMT 06:01 2015 الإثنين ,19 كانون الثاني / يناير

الهند تبني منشآت للطاقة الشمسية فوق القنوات للاقتصاد

GMT 18:53 2016 الإثنين ,11 إبريل / نيسان

تسريب أول صورة لهاتف "نوكيا" بنظام أندرويد

GMT 23:29 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "واتساب" تطرح إصدارًا جديدًا بميزات إضافية جديدة

GMT 19:25 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

سيدة تخون شقيقتها مع زوجها في منطقة سيدي إيفني

GMT 00:31 2014 السبت ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"رمان" للتطبيقات تطلق تطبيق "أنت وطفلك - فاين بيبي"

GMT 17:51 2015 الجمعة ,24 تموز / يوليو

معرض تراثي فلسطيني في أسواق بيروت القديمة

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,26 تموز / يوليو

تطوير ملصق يعلن عن الاعتداء الجنسي وقت حدوثه

GMT 03:55 2017 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

صفاء حجازي تنعي وفاة الراحلة كريمة مختار " ماما نونة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates