اجترار عصر الطوائف

اجترار عصر الطوائف

اجترار عصر الطوائف

 صوت الإمارات -

اجترار عصر الطوائف

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

سُئل أحد المتذاكين ذات مرة كما ترويها إحدى الطُرَف عمّن انتصر في الحرب العالمية الثانية، فأجاب بأنّ بريطانيا من انتصرت ومعها دول الحلفاء بينما خسرت ألمانيا ودول المحور، ثم سُئل من جديد عمّن فاز بين البرازيل وفرنسا في نصف نهائي كأس العالم فأجاب بأنها فرنسا، حينها أتاه السؤال الأخير: وماذا نستنتج من ذلك؟ ففكّر حضرته مليّاً ثم أجاب ذاك الجواب العبقري: «نستنتج أن البرازيل ستلعب مع ألمانيا ودول المحور على المركزين الثالث والرابع»!

تذكّرت هذه الطرفة وأنا أتابع محاضرة على اليوتيوب والذي يغص بالكثير من الغث والسمين لرجلٍ، لا أكذب الله فإن لديه إلماماً جيداً بأحداث التاريخ القديم، لكن المشكلة عنده في الربط الغريب بين تلك الأحداث، إذ حاول إسقاط ذاك التاريخ رُغماً عنه على الحاضر وللدول التي ينتقيها هو شخصياً، وتحدّث كثيراً عن أسباب سقوط ملوك الطوائف بالأندلس واختصر السبب الرئيس في غياب الخلافة، ثم عَرَجَ على الحاضر وأسهب في ضرورة عودة الخلافة إن كان العرب يأملون في خلق حاضر مزدهر لهم، ثم كانت الصدمة بأنّ ذاك الخليفة الذي سينقل العرب لقمّة الحضارة ليس عربياً ولكنّه شخصٌ غير عربي قد نصّبه الإخوان والمطبلون خلفهم والمغرّر بهم من الباحثين عن أي قشّة للتعلّق بها، من أجل الحريّة كما يقولون يريدون غداً يكونون فيه عبيداً!

الأسبوع الماضي تم الإعلان عن حصول الإمارات على المركز الأول «عالمياً» في 11 مؤشراً من مؤشرات التنافسية العالمية، وحتى لا يخرج علينا الصغار بأنّ المعلومات غير موثوقة كعادتهم في التشكيك لكل نجاح من شأنه أن ينسف أطروحاتهم كلها، فإن هذه المعلومات وردت ضمن ستة تقارير للتنافسية لعامي 2017 و2018 صادرة من المنتدى الاقتصادي العالمي، والبنك الدولي، والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال INSEAD، والمعهد الدولي للتنمية الإدارية، وهو أمرٌ اعتدنا عليه والحمد لله في ظل قيادة لا تألو جهداً وإخلاصاً وتفانياً في رفع أسهم هذا الوطن العظيم ومَن به، فلماذا لا يرى أولئك المنقّبون عن خليفتهم نجاحات بلادنا ونجاحات بعض أشقائنا؟ لماذا لا يشكرون الـمُحسِن كما درجوا على جمع الجميع بالنقد والسخرية؟ أليس ربّ الأرض والسماء سبحانه يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُو أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»، فأين هو العدل الذي أمر به الله تعالى؟ كم هي صغيرة تلك النفوس التي لا تحركها إلا الأهواء والحزبيات!

يقول أحدهم في مقالةٍ طنانة له بعنوان (ملوك الطوائف وأنظمة العرب) عن دول الطوائف بالأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية في القرن الخامس الهجري: «هل يتكرَّر التاريخ، ويعود بِنا الزمان، ويستحق حكامنا، الملوك والقادة والأمراء، النهاية المحتومة، ويقفون كأسلافهم فوق الأطلال، يبكون عليها كما النساء، وقد أضاعوا ملكاً لم يدافعوا عنه دفاع الرجال؟!»، المضحك أنهم لا يملكون حلاً حقيقياً لأنهم بالأساس فشلوا في التحليل السليم وغرقوا في الإسقاطات المزاجية مع بكائيات لاستدرار تعاطف القرّاء، وحتى لا أُتّهَم بالدخول في النيّات لمعرفة من يقصد هذا الكاتب وأمثاله من شلّة الردح وممن يصدق فيهم مثلنا الشعبي «عيوز ومصبَّحة بطلاقها» نكمل معه لنعرف من يقصد بملوك الطوائف الحاليين: «أولئك كانوا يمنحون ملوك الحلفاء ذهباً ومالاً وأرضاً ونساءً، ودولنا اليوم تمنح دول الحلفاء نفطاً وذهباً ومالاً وقواعد عسكرية»، إذاً تم اختصار دول الطوائف التي ينتظرها المستقبل السيئ في دول الخليج فقط!

 

إنّ إحدى مآسينا هي في مَن نَصّبوا أنفسهم نُخباً مثقفة وروّاداً للرأي، وحصلوا بطريقة محيّرة على مزايا استثنائية طَبَعَت لهم الكتب ونشرت لهم المقالات طيلة سنين طويلة لكسر الروح العربية وإغلاق كل المنافذ ما عدا منفذ العبودية الذي يريدون سوقنا إليه، فكُل حُكّامنا «حسب طرحهم» عملاء، وصاحبهم الذي يلهجون بحمده مُنزَّهٌ عن العيوب، إنْ خرجت صور حكامنا وهم يُصَلّون قالوا نفاق واستغفال للشعوب، وإنْ صلّى صاحبهم أسبغوا عليه من الفضائل ما لم يسبغوها على النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وإنْ قبّل ولي أمر لنا رأس شيخٍ أو طفل قالوا من أجل التصوير والتملّق، وإن فعلها صاحبهم بكوا وتباكوا على تواضعه ووفرة الخير والرحمة في قلبه، نحن في نظرهم عبيد لأننا نعيش بكرامة، وهم يدعون للحريّة بوضع رؤوسهم على الأرض لكي تطأها أحذية «الجندرمة» التي يستحقونها !

عندما خرج أمثالهم من الفلاسفة والمثاليين ممن يُطالب حكام العرب بأن يكون كالخلفاء الراشدين عليهم رضوان الله، وهنا أنا أتحدث عن حكامنا في الخليج تحديداً باستثناء نظام الدوحة، وَقَفَ لهم عبد الملك بن مروان ونادى في جموعهم: «أنْصِفونا يا معشر الرعيّة، تريدون مِنّا سيرة أبي بكرٍ وعُمَر ولا تسيرونَ فينا ولا في أنفسكم بسيرتهما، نسألُ الله أنْ يُعِينَ كُلّاً على كُلٍّ»، فيا من تريد مثل عمر لماذا لا نراك تصنع كما يصنع؟ هذه الشيزوفرينيا التي يعاني منها البعض أصبحت مزمنة، وغَمْط الناس ليس من الإسلام ولا من المروءة في شيء، ومَن أحب الخير للناس سعى فيهم بخير القول وخير العمل، أما المتباكي دوماً والمتوعد بالويل والثبور فلا يزيد الناس إلا بلاءً وحزناً، وقد حَذَّر من أمثال هؤلاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: «إذا قال الرجلُ هَلَكَ الناسَ فهو أهلَكُهُم»، أي من ادّعى النقص والسوء في الآخرين فهو أكثرهم نقصاً وأقربهم للسوء، فبياض القلب تترجمه الكلمة الطيبة، والنوايا الحسنة يؤكدها ظنّ الخير بالناس وترك الأحكام المسبقة جانباً، فلا خير فيمن لا يعدل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اجترار عصر الطوائف اجترار عصر الطوائف



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates