يقول مثلٌ شعبي في إيران «اكر لالاي بلدي جرا خابت نميبره»، أي إذا كنتَ كما تدّعي تعرف أغنية النوم فلماذا لا يأتيك النعاس؟، هذا المثل ينطبق على الحال في جمهورية الملالي والتي يتشدّق فيها ملالي قُم ومشهد بالزهد والورع وينادون في الناس بالتأسي بآل البيت في الصلاح وترك ملذات الدنيا الفانية، وهم أحرص الناس على الدنيا ولا يتورعون عن ارتكاب كل الموبقات من أجل «التكويش» باسم الدين و«الخُمُس» لنهب أموال البسطاء بعد نهب ثروات البلد!
سئم الإيرانيون هرطقات الملالي وملّوا من أكذوبة المهدي المنتظر الذي لا بد أن يتحملوا شظف العيش وقسوة الحاجة ومرارة الفقر حتى يخرج لهم لينشر العدل ويقضي على أعدائه من اليهود والعرب السنّة، هم يرون بأعينهم أن الملالي تنتفخ جيوبهم وحساباتهم البنكية أكثر من كروشهم بينما لا تجد شرائح هائلة من الشعب قوت يومها، فالفقر يعض بنابه حسب إحصائيات عام 2015 لمؤسسة «بورغن» الأمريكية غير الحكومية قرابة 70% من السكان.
بينما يستحوذ 5% على ثروات البلاد بدءاً من المرشد وحاشيته وجنرالاته وصولاً لعوائل وأطفال خواصّهم، ولم يكن بغريب أن تخرج معلومة عن ثروة خامنئي والتي اتضح أنها تناهز 95 مليار دولار، يا لزهد مرشد الملالي!
وصل الإيرانيون لقناعة تامة بأنّ الملالي لا يمكن لهم أن يقودوا دولة متحضرة أبداً، وبأنّ الأوضاع لن تتحسّن بوجودهم إطلاقاً، فبعد الاتفاق النووي والذي توسّموا معه خيراً بعد رفع أكثر العقوبات الاقتصادية وتدفق الاستثمار الأجنبي والإفراج عن 200 مليار دولار من الأموال المحتجزة.
بالإضافة إلى إنتاج خمسة ملايين برميل نفط يومياً وكميات هائلة من الغاز أيضاً ووجود مساحات زراعية هائلة، إلا أنّ كل ذلك ذهب أدراج رياح شياطين قُم، فقد قامت حكومة الملالي برفع الدعم عن 34 مليون إيراني وتم رفع سعر المحروقات وقاربت البطالة رقماً فلكياً غير مسبوق في كل الدنيا إذ وصلت إلى 40% .
وأُهْدِرت المليارات كالعادة على ميليشيات تخريبية ومرتزقة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وانهارت عام 2017 خمسة مصارف وصناديق استثمارية تبخّرت معها مدخرات 2.5 مليون أسرة من الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة وانهارت أيضاً صناديق المعاشات بما فيها صندوق معاشات المعلّمين وسُمِح لأصحاب تلك المصارف والصناديق بالهرب إلى كندا ليتهنّوا بأموال الناس بينما تم تحصين من بقي منهم!
الحصانة هذه استندت إلى إعفاء المصارف وصناديق المعاشات من قواعد الشفافية والمساءلة القانونية لأنها تخضع للأتقياء الورعين من كبار الملالي وأبطال الوطن والكفاح من جنرالات الحرس الثوري، هذا الإعفاء كان بقرار سياسي من قمّة السلطة، تماماً كما كان تعمّد إفراغ المناهج الجامعية من الثقل النوعي والذي نتج عنه مئات الآلاف من الخريجين من الجنسين دون مهارات حقيقية ومعارف حديثة قراراً سياسياً آخر، حتى تسيطر على الشعب اجعله غبياً متخلفاً على الدوام!
بدأت المظاهرات والتي ستدخل يومها العاشر باحتجاج على ارتفاع أسعار البيض، والذي تحوّل لمظاهرات متزايدة تجاه الأوضاع قبل أن يتجرأ المتظاهرون ويشتموا المرشد الأعلى ويحرقوا صوره وينادوا بإسقاطه، وهو الأمر الذي استشرى سريعاً ليعم خمسين مدينة بما فيها مدن الشيعة المقدسة «قُم ومشهد»، وخلافاً لمظاهرات 2009 والتي قام بها مناصرو موسوي وكروبي من أبناء الطبقة الوسطى والمثقفين والإصلاحيين.
فإنّ هذه المظاهرات شملت كل الفئات الاجتماعية والإثنية والمذهبية، فبها الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة، وبها الفرس والبلوش والآذر والكرد والعرب، وبها الشيعة وبها السنّة، بل حتى بعض رجال الدين انضموا للمظاهرات ما يجعل النظام الحاكم عاجزاً عن اتهام طرفٍ بعينه، بل أصبح في مأزق محرج أمام العالم إذ لا قاعدة شعبية له بأي صورة، ولشدة ورطته ترك لكلبه النابح حسن نصرالله ليتهم السعودية بأنّها وراء ذلك !
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يعرف المتظاهرون والشباب منهم تحديداً الثمن الذي يجب أن يدفعوه لإنجاح انتفاضتهم؟ الثمن سيكون سيولاً من الدماء والجثث المكدسة في الطرقات تحت نيران قوات الباسيج والحرس الثوري وأتباع الملالي.
لا يمكن لنظام نثر الخراب والدمار في عرض الدنيا المحيطة وغربها أن يستسلم بسهولة، لو كان يهتم بالشعب أصلاً لما أفقره وهمّشه ونشر في طرقاته المخدرات لإسكات أصوات الناقمين منهم، البنادق ستتوجّه قريباً لصدور الجماهير الغاضبة، إنْ لم تكن قادرة على دفع ثمن الحريّة فإنها ستخسر كل شيء وستنكسر حتى في لا وعيها وعقلها الباطن ولن تقوم لها قائمة لسنين طويلة !
من الأمور المحيّرة أنه لا توجد قيادة لهذه التظاهرات المحمومة والتي وإن قال البعض إنها أمرٌ جيّد حتى لا يتم استهدافها ولكن في رأيي المتواضع فإنه لا يمكن لثورة دون قيادة أن تنجح، الثورات العبثية التي لا رأس لها لا تدوم طويلاً لأنها لا تحمل أجندة واضحة أو مساراً واحداً وتفتقد لذلك الإلهام الذي يعيد شحن حماس الجماهير كلما فترت!
إنْ كان سيصلهم صوتٌ منّي فلن يكون سوى تذكيرهم بمثلٍ آخر لديهم يقول: «يك شب هزار شب نميشه»، بمعنى أنّ الليلة الواحدة لن تطـول إلى ألف ليلة، فالغمّة لن تستمر للأبد إن لم يتسرّب اليأس للنفوس، والآلام لن تطول كثيراً إن وجدت نفوساً صابرة، والمواقف العسيرة تحتاج قلوباً قوية وهمماً لا تنكسر إنْ أراد الإيرانيون فعلاً تغيير مستقبل بلادهم المظلم بمستقبل أكثر إشراقاً، مستقبلٌ تتحقّق فيه أمنية تلك السيدة الإيرانية التي خرجت بمقطع فيديو وهي تبكي وتقول: «نملك النفط، فلماذا لا نكون في سعادة مثل نساء العرب ؟»