بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
تروي مقولة أفريقية التالي: «إلى أن تستطيع الأسود أن تحكي قصتها، فإن حكايات الصيد سوف تُمجِّد الصياد»، فالأقوى سيكون دوماً أعلى صوتاً من الضعيف، ومُكتمل العُدّة سيكون أقدر على إنجاز ما يريد ممن يفتقدها، ومن يجهل السنن الكونية أو يتجاهلها فإنه محكوم بأن يقع في الكفة الدنيا دوماً.
لم تتغير أمريكا أبداً، ولن تتغير ما دامت ذات اليد الأقوى والنفوذ الأكبر، فهي تُهاجم أمماً كاملة دون أن يرتفع صوت من يُعارض لأن صوتها أعلى، وآلتها الإعلامية و«مرتزقتها» في شرق العالم وغربه سيجدون لها المبررات دوماً، وسيوبّخون أو يخوّنون من يعارض تصرفاتها مهما كانت قاسية ولا إنسانية، لذا ستصبح كل غارة على تجمّع مداهمةً لبؤرة إرهابية تتآمر على العالم المتحضّر ولو كان ذاك التجمّع عُرْساً ريفياً بسيطاً، وسيصبح احتلال بلد كامل كالعراق وسرقة ثرواته واغتيال ومطاردة كل علمائه واستباحة كل شيء فيه انتصاراً للديمقراطية وتمكيناً للعدالة ودحراً للديكتاتورية الشاملة.
وسيتم إرغام كل العالم أن يصمت لما تم في جحيم سجون أبو غريب، وما يتم في معتقل غوانتانامو، الذي لا يقارن إلا بمعتقلات النازية، والذي لم تجرؤ الأمم المتحدة على فرض إغلاقه منذ إقامته قبل 19 عاماً، حيث يقبع به 700 معتقل، بينهم تسعة فقط مدانون بأدلة أو شبه أدلة، في تعذيب بدني ونفسي لا يمكن تخيله.
أمريكا تفعل ما تشاء، وتبرر لنفسها كما تشاء، وتفتح ملفات قد طويت لتبتز هذه الدولة أو لتسند دولة أخرى، وما هو حلال لهم لا يجوز، ولو عُشر معشاره لغيرهم، وما دامت الأقوى فلن يتغير شيء، وما دمنا نحن العرب ضعفاء وطيبون فسنبقى نعاني مع إداراتها المتعاقبة، تلك ترفعنا والأخرى تخفضنا، وهذه تجذب وتلك تدفع!
الضعيف لا وزن له عند القوي، والردي «ما يحشم»، والمروءة لا مكان لها من الإعراب عند ساسة الغرب بأكملهم، ونظرتهم لنا واضحة لكل مُبصِر، فصُحُفهم ومقالاتهم وكتب مفكريهم وساستهم، لا ترانا إلا كشعوب همجية وكيانات كرتونية هشة.
وجدت النفط في صحاريها وها هي تريد شراء كل شيء به، ولن يغيّر تلك الحقيقة التي تنضح بها أدبياتهم، الرسائل الدبلوماسية التي ينشرها الساسة لكي نسكت، لأنهم يعلمون أننا سنستميت في تأكيد صداقتنا لهم وبأننا جديرون بالثقة، لكنهم في دواخلهم كما قال تعالى: «وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ».
لستُ متشنّجاً، ولكنها الحقيقة التي لا نريد الاعتراف بها، لن نكون أعرف بساستهم من كاتبهم الأسطوري مارك توين عندما قال واصفاً إياهم:
«الساسة مثل حفاظات الأطفال، لا بُد من تغييرها دوماً ولنفس الأسباب»، وستكثر خيباتنا فيهم كثيراً إن لم نتغيّر نحن، ليس بمعاداتهم أو مناكفتهم، ولكن بأن نراجع أنفسنا لنقف على المسرح موقف الند، ولن نقف بثبات ما لم نصدق في مراجعتنا لخطواتنا السابقة وأين أجدنا لنعزّزه وأين أخطأنا لنتلافاه، إذ لا يمكن أن يتماسك بُنيان ما زال به لبنات هشة أو أُغْفِلت دعائم عن شدّ ظهره بها.
لن تعيد القصائد العنترية حقاً مُضاعاً، ولن تغيّر الشيلات واقعاً مؤلماً، ولن تفيدنا «ويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل» إن لم تدعم هذا «الوَيل» مصانع وطنية قادرة على إنتاج منظومات دفاعية متقدمة وطائرات هجومية ومدرعات ودبابات حديثة، وحدها هذه «الفوّهات» النارية من تستطيع «شيلاتها» أن تخرس كل عدو وأن تُرْغِم أنف كل متطاول، أما عنتريات «تويتر» و«كلوب هاوس» فلن تنفعنا بشيء، وأسوأ منها تلك المقالات المندّدة ببايدن وإدارته، لكنها بدورها لا تُنشَر إلا لدينا ولا تُكتَب إلا بلغتنا فقط، كالمحامي الذي بدلاً من توجيه مرافعاته للقاضي وهيئة المحلّفين، يقوم بتوجيهها في غرفة بعيدة للمتّهم نفسه لا غير!
الوقت وقت أن نعيد تركيب المعادلة، أن نُغيّر أولوياتنا، فما دمنا نقوم بالأمور ذاتها، سننتهي دوماً للنتائج نفسها، والحضور الذي يُرهب المتطاولين على كل مُسالِم يحتاج عملاً كثيراً وجهداً مضنياً وتعاطياً مغايراً لما سبق عمله، إن كُنّا فعلاً نريد أن نقف لتطاولهم وابتزازهم موقف النِدّ، هو منعطف تاريخي حاسم، فإما أن نكون بقَدْره، وذاك ما يجدر بنا، وإما أن نرضى أن يبتزنا ساستهم متى شاءوا.