بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
في مسرحية «الزعيم» لعادل إمام، حاولت أم «سمسمة» إجبار «زينهم» على الزواج بابنتها فرفض تماماً، حينها أخبرته قبل خروجها بأنها سترسل عمها لإقناعه، وفي لحظات وبالمصادفة كان رئيس المخابرات يدخل على زينهم الذي لم يستوعب الوضع بداية، وحاول العراك معه ظنّاً منه بأنّه عم سمسمة فعلاً، حينها نادى الرجل: «القوات تتقدّم» فامتلأت الشقة الصغيرة بالجنود المدججين بالسلاح، فقال زينهم مرعوباً: «يا خبر أزرق، كُل ده عشان سمسمة» ثم أضاف: «شوف يا سعادة الباشا: اللي قدّامك يُقدّس الحياة الزوجية وهتجوّز سمسمة، ولو عندكم بنات عطلانة عن الجواز هتجوزهم كمان»!
الدرس المستفاد هنا أنّ كل رفض له مفتاح، وكل ممانعةٍ لتغيير لها مدخل، وأحياناً يكون المفتاح هو الرعب والمدخل هو الضغط، وللدلالة أكثر يكفينا أن نسترجع وضع البشرية بأكملها في بدايات جائحة فيروس «كورونا» المستجد وموجات الرفض للشروط الاحترازية، وهي ردّة فعل طبيعية للبشر لأنهم اعتادوا على وضع معيّن، وليس بإمكانهم تقبّل تغييره، لكن عندما أصبح الخيار بين الحياة أو الموت تحت فتك الفيروس تلاشى الرفض وتكيّف الناس مع المطلوب الجديد سريعاً، وتخلصوا من الفلسفات الزائدة، وسكتت فئة «أنا لي رأيي الخاص»، وأذعن الجميع لتوجيهات الأطباء واشتراطات المؤسسات الصحية، وقامت أغلب الدول بعمل حجر صحي جزئي أو كامل، وخَلَت أغلب الطرقات من المارة، واختفى تماماً 60 مليون إنسان في محافظة هوبي الصينية، لمدة شهرين تقريباً من دون اعتراض!
تعلّمنا من الجائحة أنّ أساتذة نظرية المؤامرة ليسوا لدينا، كما أوهمنا و«جَلَدَنا» بهذه الأكذوبة بعض الكتّاب الفاشلين سنينَ طويلة، ولكنها لدى الغربيين بشكلٍ أجلى، بل ومن مشاهير أطبائهم وكبار أكاديمييهم ومخضرمي سياسييهم، فضجّت وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع الفيديوهات لهم والتي تحذّر البشر من المؤامرة الكونية ومن اللقاحات التي ستزرع شرائح في أجسادهم للتحكّم بهم ومراقبتهم، وندّد و«احتشر» البعض لدينا معهم، ولا أعلم لمَ سيراقبون ذلك «المحتشِر» وهو لم يبقَ إلا أن يصوّر لنا شخيره نائماً في «سناب شات»!
تعلّمنا أنّ الأمنيات وحدها لا تغيّر واقعاً، وأن التفاؤل من دون بذل جهد لن يرد شرّاً أو يجلب خيراً، فسيّد الخلق صلى الله عليه وسلم بيّن ذلك حتى لا يتكل البعض على التفاؤل فقط فقال: «اعقلها وتوكّل»، فرغم أننا أبغضنا رؤية تيدروس أدهانوم، وتشاءمنا بمؤتمراته الصحفية التي لا تأتي إلا بمزيد من التحذيرات والأخبار المقلقة، لكنّ الأيام أثبتت صحة ما حذّر منه، وما دام الوضع باقٍ كما هو، فإن الوباء سيبقى!
المؤلم هو ألا تتحرّك لتغيير الأمور، وتنتظر أن تحدث معجزة وتعود لما كانت عليه من تلقاء نفسها، والأشد إيلاماً أن تنتظر أن يتحرك سواك، وأن تجلس في صف المنتظرين، لأن يُبدِع غيرك ثم يخرج بلقاح لإنقاذك من براثن هذا الوباء، وتنتظره مرات كثيرة مستقبلاً لينقذك من جديد بينما تقف أنت موقف المتفرج، ليس ذلك لخلو بلداننا العربية والإسلامية من المبدعين والموهوبين القادرين على تحقيق الإنجازات الطبية، ولكن لضعف الاهتمام بهذا المجال، والاكتفاء بأنّ غيرك كفاك المؤونة!
قالها أجدادنا: «اللي ياكل مِن يَدّ غيره ما يشبع»، وقالوا لنا حتى نفهم لأن التكرار أوثق لتثبيت المعلومة إنّ «فَتّ الشبعان على اليوعان بطي»، فما دام غيرك مَن بيده علاجك أو كسوتك أو تيسير أمور حياتك، فإنّ خيباتك ستكثر وشكواك ستطول، وما دمنا ننتظر أن نشتري فقط من دون أن نسعى جدياً لأن نقتحم هذه المجالات الحيوية، فإنّ أمن المستقبل سيكون منقوصاً على الدوام، ومن يبيعك الآن قد لا يفعل مستقبلاً، أو إنْ فعل ذلك كان بشروط قد لا تروق لك!
تقول الحكمة: «ما يأتي بسهولة لا يدوم، وما يدوم لا يأتي بسهولة»، ولئن تأخرنا في قطاع الأبحاث الطبية والدوائية فليس ذاك عُذْراً لكي لا نبدأ وإنْ كنّا متأخرين، فرهان المستقبل هو العلم ومراكز الأبحاث المتقدمة، ولو لم يكن لجائحة «كورونا» سوى تعليمنا هذا الدرس لكان كافياً، وحريٌ بنا أن نبادر لتغيير مواطن اهتماماتنا، قبل أن تُغيّرنا الضغوط كما تشاء، فليست كل المشاكل «سمسمة» ولا نرضى أن نكون «زينهم»!