تاريخ النزف

تاريخ النزف

تاريخ النزف

 صوت الإمارات -

تاريخ النزف

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

ليس هناك ما هو أسوأ من القوالب الجاهزة لتصنيف الناس، ولا أشد ظُلماً من اختلاق كذبة ضد جماعةٍ بعينها، ثم تأليب وسائل الإعلام عليها ليل نهار، لتصبح تلك الكذبة حقيقة لا يجوز التشكيك في مصداقيتها.

وكم هو محيّر أن توضع في خانة التبرير والدفاع عن نفسك في مواجهة هجوم مرعب ممنهج لا يتوقف، حتى يرحمك العقلاء منهم، ويخرج لك صوت كصوت الباحثة في الأديان كارولين كوربن لتقول: «المتعارف عليه عندنا في أمريكا عندما نسمع كلمة إرهابي أنه مسلم أولاً، وليس رجلاً أبيض ثانياً»!

الإسلام يواجه خصومة وليس أزمة، وتقوّلاً عليه وليس قولاً فيه، وتخرّصات عن جهل وليس أحكاماً عن معرفة، ويبدو أنّ للعصبية و«نرجسية» الغرب الأبيض دوراً في ذلك، خاصة أن تقرير الفاتيكان عام 2008 أشار لتفوق أعداد المسلمين على أعداد أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية للمرة الأولى في التاريخ.

بينما تشير تنبؤات PEW Research center إلى أن المسيحية بطوائفها الثلاث ستزيد بنسبة 32% حتى عام 2060، في الوقت الذي سيزيد المسلمون بنسبة 70% ليبلغ عددهم 3 مليارات إنسان، مشكلين أكبر ديانة في العالم رغم كل التشويه والهجوم غير المبرر عليها، ويبدو أنه الأمر الذي يجعل بعض أولئك يستميتون أكثر في الطعن في الإسلام وتعميم الحالات الشاذة فيه!

ينقل المؤرخ المعاصر جوناثان إسرائيل عن أحد عُتاة التنويريين وفلاسفتهم في أواخر القرن السابع عشر وبدايات الثامن عشر بيير بايل Peir Bayle إعجابه الشديد بالنبي محمد، صلى الله عليه وسلّم، والإسلام، وتحديداً في العقلانية المثيرة لهذا الدين وتسامحه اللافت مع المخالفين في عز قوته، ثم يقول بشجاعة أن الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية لم تكن لِتَسْلَم أبداً لو كانت في ظل الكاثوليك أو البروتستانت.

ولكنها بقيت آمنة لأنها تحت حماية المسلمين، ويذهب للتأكيد أن كل قتلى الفتوحات الإسلامية التي يُشنِّع الغربيون بها على الإسلام، لن تبلغ مذبحة واحدة ارتكبها الكاثوليك ضد إخوانهم البروتستانت، وهي مذبحة القديس بارتولوميو بباريس والريف الفرنسي عام 1572 والتي ذهب ضحيتها قرابة 30 ألفاً من المدنيين العُزّل، وبينهم نساء وأطفال، واستمرت أسابيع عدة!

إن العقل والمنطق يؤكدان أن وجود ثمرة فاسدة في محصول لا يعني أن يُرمي بسببها كل المحصول، وخروج خائنٍ في شعب لا يعني أن يُتَّهم كل الشعب.

ومن ذات الباب لا يجوز لوجود مُنحرفِ فَهْمٍ لنصوص الدين أن يجأر البعض ليل نهار بضرورة تنقيح نصوص الدين ومهاجمته دون هوادة، فخروج مئة أو ألف أو حتى مئة ألف منحرف الفهم للإسلام، لا يُبرّر الطعن في قرابة الملياري مسلم، والمخجل هنا أنّ الديانة لا تُذكَر إلا إن كان مرتكب الخطأ أو الجرم مسلماً، أما إنْ كان المخطئ من ديانة أخرى، فتسبقه الأعذار بكونه مختلاً أو يعاني اضطرابات نفسية!

العالم يشهد في كل عام سقوط مئات بل آلاف الضحايا بمختلف أشكال العنصرية والإرهاب، لكن لا تُسلَّط عليها الأضواء، إلا إن كان هناك قتيل بيد مسلم، ليتم مهاجم الدين بأكمله، ومهما ندد علماء الإسلام ورموزه بتلك الجريمة ومخالفتها لروح الإسلام ونهجه فلا يُقبَل تبريرهم، إذن ماذا يجب أن يفعلوا؟

إن الإسلام دينٌ سويّ، متزن، متناغم مع الحياة، متفاعل إيجاباً مع مستجداتها، وليس فكراً منغلقاً، يقول المؤرخ الإنجليزي جورج ويلز: «كل دين لا يسير مع المدنية في كل أطوارها فاضرب به عرض الحائط، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنية أينما سارت هو الإسلام».

لذا عندما يعلو صوت النشاز وأصحاب النظرة الحولاء ضد الإسلام، ويتهمونه بالهمجية والانغلاق ما يستدعي مراجعته و«تنقيحه» وتفصيله بما يتناسب وما يريده المشاهدون، ذكّرهم بمقولة الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه وأنت ترفع رأسك فخراً بدينك: «لقد ديست بالأقدام تلك المدنية العظيمة في الأندلس، ولماذا؟ لأنها نشأت من أصول رفيعة، ومن طباع شريفة، نعم من رجال الإسلام. إن المدنية الإسلامية لم تتنكر يوماً للحياة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ النزف تاريخ النزف



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates