تجديد قديم أم إصلاح سقيم

تجديد قديم أم إصلاح سقيم!

تجديد قديم أم إصلاح سقيم!

 صوت الإمارات -

تجديد قديم أم إصلاح سقيم

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

يتذكّر كثيرٌ مِنّا قصة ذلك الدب الذي قام بتربيته منذ صغره أحد الرعاة، وتعلّق بصاحبه كثيراً، وفي أحد الأيام، كان الراعي يأخذ قيلولة تحت إحدى الأشجار والدب يحرسه قريباً منه، فوقعت ذبابة على وجه الراعي، ولِفَرَطِ خوف الدب مِن أنْ يتأذى صاحبه أو ينزعج بمحاولاته لطرد الذبابة، اهتدى لحل لا يجعل الراعي يسمع شيئاً أبداً وهو يقوم بالقضاء على الذبابة المزعجة، فقد أخذ صخرة ضخمة وهوى بها بقوة على تلك الحشرة الجاثمة على وجه الرجل!

لا تخلو حياة من مشاكل، ولا مسار من عراقيل، ولا فكرة من نقيض لها، وقد دَرَجَ البشر منذ مئات السنين على التعامل مع هذه «الـمُغيِّرات» بطرق مختلفة تبعاً لقوة ذلك المغيِّر ومدة بقائه الزمنية وأيضاً تبعاً للقابلية الفكرية والنفسية لدى الأفراد أو المجتمع المتأثر بتلك «الـمُغيِّرات»، ولكن في المجمل، فإن البشر يتغيرون ويُعيدون تشكيل سلوكياتهم وقولبة أفكارهم بمرور الزمن، ولا يعني إعادة تشكيل السلوك أو تبني قوالب جديدة للتفكير، الهجران التام لما سبق أو خطأ الماضي منها، فالممارسات والأفكار والمقاربات البشرية تكون مناسبة لفترة زمنية معينة، وفي ظروف محددة، وتتغيّر بتغير الأزمنة وتتبدّل بتبدّل تلك الظروف.

ذلك التعديل يأتي متدرجاً، والتحسين يكون لمواضع معينة كانت أو أصبحت تُعاني من خروجها عن السياق العام، فأصبح لزاماً عمل شيء ما لإعادتها إلى المسار الصائب، وهو المسار الذي يعترف بأن الثابت الوحيد دوماً هو التغيير وليس النمطية، والأمر هذا ليس جديداً لكي يُثار، فتلك فطرة الله التي فطر الناس عليها من يوم إنزال آدم وحواء، عليهما السلام، للأرض، فالأمور أصبحت خياراً ومآلاً، سبباً ونتيجة، وليس أُمنيات ثم تتحقق كما كانت في جنة النعيم!

التعديل المتدرج يعني أنّ مِن ضعف البصيرة أن يحاول الشخص إلغاء كل شيء وهو يتحدّث عن التعديل أو التجديد أو الإصلاح، فالأمر لن يخرج عن فعل ذلك الدب الذي أراد التخلص من ذبابة تُزعِج صاحبه فقتله معها، والتعديل أيضاً لا يجوز أن يخرج من إطاره الذي لا يستطيع تجاوزه، فعامل النظافة لا يستطيع تعديل عمل مهندس، والمهندس لا يستطيع إصلاح عمل طبيب جراح، ومَن لا يفقه قانون لُعبة معينة لا يحق له أن يخترع من تلقاء نفسه قانوناً حتى تصبح مناسبة له.

إن كان هذا التعديل أو التجديد أو الإصلاح لا يُترَك على عواهنه لمن أراد فيما يخص الطرح البشري، فمن باب أولى أن لا يتعدى ذلك للوحي الإلهي الذي لم يطلْهُ التحريف، ومحاولة خلط الأوراق وعمل مقارنات غير متماثلة بين الإسلام وأديان تدخلت يد البشر فيها بالتحوير والتغيير لن يجعل الفكرة السيئة صالحة، وقصور البعض في اللحاق بركب الحضارة لقصوره الفكري وضعف موقفه التنافسي لن يُرقّعه محاولة جعل الإسلام شمّاعة لإخفاقاته.

يقول الكاتب والفيلسوف الأمريكي هنري ديفيد ثورو: «عندما يشكو المرء شيئاً يحول بينه وبين القيام بواجباته، حتى عندما يجد ألماً في أمعائه، فإنه يُبادِر إلى محاولة إصلاح العالم»، ولم يذهب عن الصواب بالتأكيد، فالكثير ممن يتسمّون بالنخب المثقفة تلهج ليل نهار بضرورة إصلاح الخطاب الديني كشرط وحيد للانضمام لركب المتحضرين، وأحدهم قد يكون شخصاً لا يعرف اتجاه القبلة أصلاً، ورغم ذلك لم ينفعه ذلك في صنع علبة كبريت.

ديننا نزل بالخير، ودعا للحسنى، وأعلى من شأن الإنسان، وشدّد على الفضائل ونهى عن أراذل السلوكيات، وأخرج الفرد من تقديس المخلوق إلى عبادة الخالق سبحانه، وعدد المسلمين في العالم تجاوز المليار والتسعمائة مليون في تقديرات عام 2015، بما يشكل ربع سكان الكرة الأرضية، وإن من الإجحاف أن يُحاكَم هذا العدد الهائل بأخطاء فئات شاذة إمّا من صناعة الغرب كـ«القاعدة» و«داعش» أو بناء على ظروف جهل وأمية وفقر ومستقبل مفقود ببعض الدول المسلمة، فالشاذ لا حكم له ولا يجوز تعميمه، وأنا هنا لا أغلق باب تجديد الطرح الإسلامي، بل الفقه الإسلامي قائم على المراجعة في فروعه ويتجدّد ويتكيّف باختلاف البيئات والظروف، وفي فقه النوازل دليل بيّن على مرونة هذا الدين وديناميكيته التي لا توجد في عقائد أخرى، أما طرح القلة المتشنّج، فلا يمثل الإسلام ولا يُعالَج وضع هؤلاء المغلوط بمهاجمة الإسلام نفسه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجديد قديم أم إصلاح سقيم تجديد قديم أم إصلاح سقيم



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات
 صوت الإمارات - بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 20:59 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 20:58 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

شرطة نيويورك تبحث عن رجل أضاع خاتم الخطوبة

GMT 09:44 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد بن سعيد يدشن " فندق ألوفت دبي ساوث " فى الامارات

GMT 23:20 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

محمد الشامسي جاهز للمشاركة مع الإمارات أمام عمان

GMT 01:40 2016 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

حمود سلطان يطالب برحيل المدرب الاماراتي مهدي علي

GMT 10:48 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

الطاولات الجانبية في الديكور لتزيين غرفة الجلوس

GMT 19:49 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

سيفاس سبور يكتسح قيصري سبور برباعية في الدوري التركي

GMT 00:03 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحالف معظم الكواكب لدعمك ومساعدتك في هذا الشهر

GMT 08:50 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي يقهر عجمان بثلاثية في الدوري الإماراتي

GMT 00:38 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

شباب الأهلي يرغب في التعاقد مع الإكوادوري كازاريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates