بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
تخيّل أن تجد كتاباً رائعاً بحُلّةٍ قشيبة ومضمونٍ قيّم غزير الفائدة، فتأخذ نسختين منه لإهداء إحداهما لصديق، لكنّك تتفاجأ لاحقاً أنّ النسخة الأخرى لا تعدو أن تكون كتاباً بذات الحجم وذات الغلاف والعنوان والتصميم ولكن بصفحات داخلية «فاضية» تماماً ولا يوجد بها ولا حتى كلمة يتيمة، هل سترى حينها أنّك تملك نسختين بنفس القيمة وذات المحتوى أمّ أن الأخرى مجرد شكل مُشابه لكنها فارغة الجوهر، عديمة النفع، «صِفريّة» الفائدة؟
نودّع هذه الأيام «عام زايد» عليه شآبيب الرحمة والمغفرة، رأينا خلال أشهر العام تسابقاً محموداً في تنظيم الفعاليات للاحتفاء به وإبراز سيرته، وغطّت صوره الكريمة العديد من المباني الحكومية، ومرّت الأيام سريعاً حتى أزِفَ العام على طيّ رحاله، فثُبنا إلى أنفسنا متسائلين: «هل آتى العامُ مُراده؟»، فكيف نتأكد أن العام فقط مَن رحل وليس زايد الخير رحمه الله؟ كيف نتيقن أن «رزنامة» الأيام قد انتهت وانقضت أوراقها، ولكنّ روح زايد لا زالت حيّة في نفوسنا؟
زايد اسمٌ ومُسمّى، منظرٌ ومخبر، فِكْرٌ وخُلُق، ذكاء عقل وزكاء روح، هو كلٌ لا تصحّ تجزئته، وكيانٌ متكامل لا معنى للاكتفاء باسمه فقط، فلا يكفي أن تُعلّق صورته في منزلك إنْ كانت قيم زايد ومبادئه وروحه لا تنبّض حيّةً في سلوك أهل المنزل، ولا يكفي أن تُسمّي طفلك «زايداً» إنْ لم تُلقّنه منذ نعومة أظفاره أخلاق زايد وتُنشئه على مبادئه وقيمه ودينه، ولا يكفي أن تضع دبوساً يحمل صورته على صدر «كندورتك» إن كان جارك يشتكي منك، أو أقاربك لا تصل أرحامهم، أو ترى المحتاج فلا تُعينه، وتسمع بمن ضاقت عليه الأرض بما رحبت فلا تساعده، ولا يكفي أن تستضيف متحدثين ليتكلموا عن مآثر زايد، رحمه الله، في مؤسستك لكن لا تسير في موظفيك كما كان يسير زايد فيمن معه، ولا معنى لشاب يضع صورته بحجم كبير على زجاج سيارته وهو يؤذي خلق الله بسرعته الجنونية ويحرمهم النوم بالليل بصوت محركها المزعج!
زايد لا يكفيه عام أو عامان، هذه جهودٌ مشكورة لكنها لا تكفي لترسيخ شخصيته بكل أبعادها، تقول حكمة قبائل الهنود الحمر: «مطرُ ليلةٍ واحدة لا يُنبِتُ محصولاً»، فما لم تكن هناك منهجية متكاملة ذات إطارٍ زمني طويل ومؤشرات قياس رصينة لنقل وتغذية النشء بفكر ومبادئ وقيم وأخلاقيات زايد الخير، رحمه الله، وإلا فلن نرى نتاجاً مقنعاً لنا، وسنبقى ندور في قوالب شكلية لا يمتد تأثيرها لأطول من مدتها الزمنية القصيرة.
لا بأس بأن نودّع عام زايد، لكننا لا نريد أبداً أن نودّع زايد نفسه، نحتاج هنا لمجهودات كبيرة من المؤسسات التعليمية بكافة مراحلها لتصميم ووضع منهج دراسي يُعنى بتبيان جوانب شخصيته العظيمة لتُشكّل إلهاماً للأجيال القادمة، ونحتاج برامج إعلامية لا تخبو جذوتها للحديث دوماً عنه، رحمه الله، وعن قيمه وكيف بالإمكان تطبيقها في منازلنا وأماكن عملنا، في حِلّنا وترحالنا، في أقوالنا وأفعالنا، الخطة المتكاملة لفعل ذلك - والتي لا يُمنَع أن تطلق لها مبادرة عصف ذهني لإحياء رُوح ورَوح زايد - هي ما سيجعل النتاج مما نفرح به، أما مجرد الاكتفاء بإحياء أمسيات ووضع صور وتسمية أبناء فإنّ ذلك لن يختلف عمّن اشترى ذاك الكتاب الخالي ظنّاً منه أن يُشبه الكتاب الأصلي القيّم!