بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
تذكر الأحداث أنّ إمبراطور مملكة الأزتيك كوتلاهواك وإمبراطور الإنكا هوينا كاباك، ماتا في فراشيهما من المرض وليس في ساحات المعارك أمام الأوروبيين الغزاة، ولم يكن ذلك المرض إلا بسبب الجراثيم التي نشرها البيض عمداً بين سُكّان المملكتين، بهدف إسقاط الممالك القائمة وهزيمة جيوشها وتخفيض عدد سكانها لأقصى حد ممكن، ليتسنّى للغزاة الاستيلاء على كل شيء بأقل الخسائر الممكنة، وملء الأراضي بسُكّان جُدد آتين من كل أصقاع أوروبا، تكتب بنادقهم التاريخ وتُقِرّ مدافعهم الحقوق المختلَقة!
ما زلتُ مؤمناً بأن ما جرى هذا العام لن تُعرَف حقيقته إلا بعد سنوات، فسلاح الأوبئة كان دوماً فتّاكاً بما فيه الكفاية للقضاء على الآخر بأقل مجهود، وكما لا يجدر بالعاقل أن يُعلِّق كل تداعيات أخطاء البشرية على شماعة نظرية المؤامرة، فكذلك لا يجوز إغفالها؛ لأن سَبْر التاريخ يؤكد أنّ تلك النظرية ملازمةٌ للبشر لزوم الظِّلّ لأجسادهم، وستكشف الأيام لاحقاً مُلابسات ما حدث في سنة (كوفيد 19)، وربما لا يحدث لأن ما «يُطبَخ» من اللاعبين الكبار مستقبلاً قد يجعل ما جرى اليوم مجرد دُعابة بسيطة!
الوضع حالياً لم يعد يحتمل مزيداً من إلقاء التهم وكشف المتسبّب، فالعالم بِرُمَّتِه يُعاني وينزف بشدة، وسياسة الحجر التام أو المشدَّد قد ساعدت كثيراً في التحكم في حدة انتشار الوباء، لكنها دون قصد أعادت توجيه نَصْل الفيروس ليفتك بالاقتصاد بدلاً من الأجساد، ولأجل أن تجعل الإنسان يعيش تركت الوباء ليقطع بهذا الحَجْر لُقمة العيش!
العالَم بأسره يعلم أنّ استمرار الحَجْر هو انتحار طوعي وهروب من مشكلة إلى مشكلة أكبر حجماً وأطول مُدّة، وأنّ الأسلوب الأكثر منطقية وليس الأمثل هو أن نتعايش مع الفيروس، فإغلاق الدنيا تسبّب في شلل شبه تام لاقتصادات دول العالم كبيرها وصغيرها، وفقد عشرات الملايين وظائفهم، فالمنتجات لا تجد من يبتاعها، والأماكن لا تجد من يرتادها، فها هي الفايننشال تايمز تنشر الخميس الماضي أن قرابة 8.4 ملايين موظف في تايلاند على وشك الإقالة نتيجة توقف السياحة، نحن هنا لا نتحدث عن 8 ملايين فرد، ولكن فعلياً عن 8 ملايين عائلة لن تجد مصدر دخل تعيش منه!
في ذات المنحى فقد انتقد أكثر من 70 من مسؤولي السياحة والسفر في المملكة المتحدة الإجراء الخاص بوضع كل القادمين للمملكة في حجر إلزامي لمدة أسبوعين، ووصموه بالفكرة القاصرة وأنه ردة فعل يرثى لها، مؤكدين أنّ قطاع السياحة ببريطانيا والذي تقدر قيمته بـ200 مليار جنيه إسترليني قد تضرر بشكل كبير، وأنّ تنفيذ مثل هذا الشرط قد يجعل وظائف الأربعة مليون شخص العاملين بهذا القطاع في خطر، ومما يزيد الوضع قلقاً أنّ شركة British Airways وأيضاً شركة الطيران الاقتصادي EasyJet يعملان سريعاً لتخفيض ما نسبته 30% من العاملين بالشركتين، وهو الإجراء الذي قد تتبعهما فيه الكثير من الشركات بسبب إغلاق المطارات والأجواء!
من الطريف المؤلم ذاك الخبر الذي نشرته صحيفة الغارديان بأنّ الحجر في بريطانيا قد تسبب في انخفاض كبير للمبيعات ولكن باستثناء وحيد، كان الوحيد الذي حقق ارتفاعاً ملحوظاً هو بيع الكحوليات والتي خلقت مشكلة أكبر في زيادة العنف الأسري وتردي الحالة النفسية لمستهلكيها وزيادة نسبة مدمنيها وهي مشاكل ستحتاج لاحقاً لعناية خاصة قد تستمر طويلاً وتستنزف الكثير من الأموال!
لن يعيش العالم إنْ لم يتعايش مع الوباء، لذلك بدأت دولتنا كغيرها من دول العالم في تخفيف حدة الحجر والعمل تدريجياً على عودة الحياة الطبيعية «الحذرة»، ما نحتاجه هنا هو الوعي والإحساس بالمسؤولية، فالوباء ما زال حاضراً والاحترازات الوقائية لا بد من بقائها، فالشخص اللامبالي هو أكبر خطراً على المجتمعات من الفيروس نفسه!
لتأكيد هذه النقطة نشير إلى كوريا الجنوبية والتي تعتبر مثالاً في التصدي للوباء دون إجراء إغلاق كلي للبلاد، ثم قامت بإجراء فتح شبه كامل للحياة اليومية، لكنها واجهت الخميس الماضي أعلى حالات إصابة بالفيروس منذ شهرين، حيث بلغت 79 إصابة بسبب تساهل البعض في شروط التباعد في الأندية الليلية والمدارس وأماكن العمل، وقررت 200 مدرسة العودة للدراسة عن بعد مرة أخرى!
تجاهل الوباء غير منطقي والاختباء منه تماماً غير ممكن، والتعايش معه هو الحل المرحلي الأنسب، والإحساس بالمسؤولية هو الرهان، فالوضع أشبه بالسماح بوجود أسد في غرفة مغلقة بالبيت، فلا تكن ذاك اللامسؤول الذي يفتح الباب!.