عالم ما بعد «كوفيد  19»

عالم ما بعد «كوفيد - 19»

عالم ما بعد «كوفيد - 19»

 صوت الإمارات -

عالم ما بعد «كوفيد  19»

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

قف أحد الإيطاليين الظرفاء ليقول بأعلى صوته: «قد يكون صحيحاً أننا نمرّ بأوقات حرجة في إيطاليا، ولكن أخبروني أين ستجدون مثل وطننا، حيث معاطف الأطباء تخيطها أرماني، وأجهزة التنفس تصنعها فيراري، وأقنعة الوجه تُصمّمها غوتشي، ومرهم التعقيم تُنتجه بولغاري، نعم قد ننتهي إلى الجحيم، لكننا سندخلها بكامل أناقتنا»!

سيرحل الوباء يوماً ما، بعد أن خلق فاصلاً بين عالم ما قبل «كورونا» (كوفيد - 19) وما بعده، ففي ثلاثة أشهر أسقط هذا الوباء أسواق العالم، وفقد الملايين وظائفهم بينهم 16 مليون أمريكي فقدوها في ثلاثة أسابيع فقط، وتوسّلت 80 دولة لصندوق النقد الدولي للحصول على قروض عاجلة، بينما أقفل البشر الأبواب على أنفسهم وخَلَت شوارعهم ومطاراتهم وموانئهم!

عالم ما بعد «كورونا» سيكون مختلفاً، فإنْ كان المعارضون للأتمتة الشاملة للوظائف ذوي صوت عالٍ في السابق، ولا يتجرأ أصحاب رؤوس الأموال على مواجهتهم بحدة لأنّ ما هو على المحك هنا هو «مصدر قوت الإنسان»، فإنّ الوضع قد تغيّر منذ أتى الفيروس، فالأتمتة الكاملة والتحوّل للروبوتات في التصنيع وأداء أغلب الوظائف في المستوى الأدنى للهرم الوظيفي أصبح خياراً «مُفضّلاً»، وإنْ حاول المعارضون استخدام ورقة «قوت الإنسان» من جديد، فإن أصحاب الجيوب الممتلئة سيتباكون من خوفهم على «حياة» هذا الإنسان من فيروسات مشابهة مستقبلاً وضرورة تقليل التواصل البشري حتى لا يتوقف الاقتصاد!

العمل عن بُعد أيضاً سيكون مفضّلاً للتوفير بعد أن أثبت نجاحه خلال هذه الفترة، وأصحاب الأموال سيوفّرون كُلفة بناء أو إيجار مبانٍ وما يلحقها من نفقات كهرباء وماء وشبكة اتصال وتجهيزات تقنية وخلافه، وسنسمع أصوات كُتّاب تبارك هذه الخطوة وتُعدّد مزاياها من تقليل الازدحام في المدن وخفض معدلات الانبعاث الكربوني وتقليل إهلاك البنية التحتية والحوادث المرورية وبالتالي تقليل الضغط على المؤسسات الطبية، المضحك المبكي سيكون إنْ اقتنعت بعض المدارس بديمومة التعلّم عن بُعد حيث تحوّلت الأم إلى مُعلّمة لكل المواد و«مجاناً»، وبمدارس أخرى أصبح الـمُعلّم «يكدح» دون توقف حتى منتصف الليل!

التجارة الإلكترونية ستشهد عصرها الذهبي، لكن كما يُقال في مَثَلنا المحلي: «مِن سِبَق لِبَق»، فالجميع دون استثناء يقف على بعد «أميال» وليس خطوات فقط خلف عملاق القرن الحالي «أمازون»، سيتساقط الكثيرون، وستعلن إفلاسها شركات ومتاجر شهيرة أو بأحسن الأحوال ستكتفي بدور المورِّد لهذه الشركة كي تبقى على قيد الحياة، نتيجة مريبة لما آلت إليه الأمور تضع الكثير من «الثِقْل» في كفة مناصري نظرية المؤامرة!

أمرٌ آخر حدث ويبدو أنه سيبقى، فقد وافقت غوغل أن تضع بياناتها المحدّثة عن تواجد الأفراد مكانياً تحت تصرّف الحكومة الأمريكية لضمان تواجد الجميع في منازلهم، وهي سابقة لم تكن لِتُقْبَل في الماضي، لكن الخيار حالياً بين صحة الإنسان أو خصوصيته وقد تم اختيار الأول، قبل ذلك كانت الصين قد ألزمت مواطنيها باستخدام تطبيقات على هواتفهم الذكية لإرسال حالتهم الصحية بشكل مستمر، ثم استخدمت هواتفهم لتعقّب تحركاتهم ومعرفة مَن مِن الـمُشتبَه بهم كمصابين قد غادر منزله، وأين ذهب، ومَن لاقى، وهي أمور قد تبقى طويلاً حتى بعد انحسار الوباء!

تقنية التعقّب هذه قد تفتح باباً مربحاً للغاية في قادم السنوات للشركات العاملة في قطاعها، إنْ تم إلزام جميع مواطني الدول بلبس «سِوار» ذكي، يقوم بإرسال حرارة جسم الإنسان ومعدل نبضه وربما ضغط دمّه لجهات صحية رقابية، تستطيع من خلالها معرفة بوادر المرض قبل أن يشعر به الإنسان نفسه، ويُمكّن الحكومات من صد الأوبئة في مهدها قبل أن تفتك بالشعوب!

عالم ما بعد كورونا سيكون مختلفاً، سيبدو غريباً، ستظهر للبشر تحديات كثيرة، ربما أكبرها هو انكشاف الحقيقة والتي تقول بأنّ البشر في غاية الهشاشة وانعدام الحيلة أمام الأوبئة التي تخرج دون سبب واضح ودون توقيت معروف مسبقاً ودون قدرة على إيجاد علاج فوري لها، لكن ورغم المرارة فإنّ من المهم أن يواصل العالم رحلة «الاختباء» المملّة أمام هذا الوباء حتى يرتحل تماماً، ولا يجوز أن يُعلن أحدٌ انتصاره مبكراً، فالغد مجهول والعلاج قد يستغرق عاماً كاملاً حتى يخرج، فإلى أن يصل الدواء، فإنّ العزلة والصبر والتضرّع إلى الله هي المطلوبة حتى تمر هذه الفترة العصيبة، فحياتك على المحك، فانتبه لما تُغامر به!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم ما بعد «كوفيد  19» عالم ما بعد «كوفيد  19»



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:02 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

محترف حل المكعبات يحقّق رقمًا قياسيًا عالميًا رائعًا

GMT 00:39 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على صيحات الديكور التي ستختفي في 2019

GMT 12:41 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

استخدمي الأسلوب الفينتاج لديكورغرفة المعيشة في منزلك

GMT 01:05 2013 الجمعة ,24 أيار / مايو

"قانون جديد" الرواية الأولى لمؤمن المحمدي

GMT 14:12 2013 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

"مخطوطة العسافي" دراسة وتحقيق للباحث قاسم الرويس

GMT 13:31 2015 السبت ,24 كانون الثاني / يناير

"حكايات الحب الأول" مجموعة قصصية لعمار علي حسن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates