اسمه «عن بُعد» لمغزى

اسمه «عن بُعد» لمغزى!

اسمه «عن بُعد» لمغزى!

 صوت الإمارات -

اسمه «عن بُعد» لمغزى

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

عندما توضع نبتة في مكان ضيّق لا يتعرض للنور كثيراً فإنّ نموّها يكون أقل من نمو تلك التي في سهلٍ تحت أشعة الشمس، وعندما تضع بين يدي فنان قلماً أسود فقط فإنك لا تنتظر منه لوحة تعجّ بالألوان الزاهية، فالوضع الاستثنائي يُنْتَظَر منه نِتاجٌ مختلف، وكلما كان الوضع صعباً كان الـمُتحَصَّل منه أقل من المعتاد كمّاً وكيفاً، وهو أمر يجب تقبّله لـ«استثنائية» الوضع حتى ينجلي، وليس قبولاً بتخفيض المعايير أو المقاييس!

ليس العالم منذ فتح عينيه على الفيروس التاجي COVID19 كما كان قبل معرفته، ويبدو أنه لن يكون كما كان بعد انكشاف غُمّته عن كل البشرية بعون الله، فطريقة انتشاره وسرعتها الغريبة وعدم وجود لقاحات تقي منه أو علاجات ناجعة تشفي المصابين به جعلت العالم يتعامل مع تهديد خطير غامض، الطريقة الوحيدة للتعامل معه حالياً بعد أنْ وضع كل العالم في زاوية الحلبة لتلقي اللكمات هو البقاء في المنازل وإغلاق الأبواب!

ولأن الحياة لن تستمر بأبواب مقفلة حتى لا تتعطّل مصالح العباد والبلاد، فقد كانت حكومتنا الرشيدة من أوائل الحكومات التي أقرّت سريعاً قضية العمل والتعليم عن بعد، هذا التوجّه كان استثناءً حتى لا تتوقف دورة الحياة والعمل إلى حين زوال هذه الجائحة، وبالتالي أصبح التواصل بين الناس يتم في أضيق الحدود ومن خلال مسافة تباعد معينة ولبس أقنعة وقفازات في الأماكن التي يتحتم الدخول لها كمتاجر الأغذية والمستلزمات الطبية، ثم تعقيم كل ما تم شراؤه قبل استخدامه في المنازل، أصبحت البشرية في كل مكان تقريباً تعيش على الحد الأدنى من التواصل مُجبرةً لا مُخيَّرة !

هذا الحد الأدنى من التواصل يشكل عقبةً كبيرة عندما يتعلق الأمر بالعمل والتعلّم، فمن يعمل في مؤسسة، حيث تتوفر كل الاحتياجات من مكاتب مهيأة تقنياً، وقاعدة بيانات وقاعات اجتماعات مجهزة وتقارب مكاني وإدارات تخصصية في كل مجال من مجالات عمل المؤسسة تجعل البنية التحتية لأي عمل متكاملة، يكون من الطبيعي حينها أن ترفع المؤسسة مستويات طموحها وبالتالي حجم الأهداف المطلوب تحقيقها من كل إدارة وكل موظف بالتبعية، لكن عندما «تتقلّص» تلك الإمكانيات بسبب العمل من خلال المنزل يكون من المتوقع أن نقبل بمستويات إنجاز أقل من السابق، ليس تكاسلاً وتهاوناً، ولكن لأنّ الـمُمَكِّنات لم تعد متوفرة كالسابق.

أصبح البعض لا يعلم متى ينتهي وقت العمل ومديره المباشر يتصل به التاسعة مساء وأحياناً بالعاشرة ليطلب منه إنهاء أمر معين، يخبرني صديقٌ بأحد المصارف أن رئيسه المباشر أرسل له رسالة تأكيد بتثبيت أهداف السنة المالية كما كانت قبل الأزمة رغم أنّ الاقتصاد العالمي ينهار، والولايات المتحدة الأمريكية سارعت بضخ 2 تريليون دولار لإنعاش اقتصادها وما زالت تترنّح، والأخ يريد إبقاء الأهداف المالية كما كانت، ثالث يستغرب أن مديره لا يطلب اجتماعاً إلا ما بين الساعة الواحدة والثانية ظهراً، رحمةً بالناس فهذا وقت تناول وجبة الغداء مع عائلته بعد سنين من افتقاد ذلك، لا داعي للتضييق ما دام الشخص في المتناول طيلة الوقت !

على الطرف الآخر فيما يخص التعليم عن بعد، يبدو أن «بعض» المدارس أيضاً لديها ضبابية فيما يُراد من أسلوب التعلّم الاضطراري الحالي، ولا يُدركون أنّ ما أوجبه هو الضرورة التي لا خيار آخر معها، وليس نهجاً جديداً في التدريس يُعامل كموازٍ للتعليم في المدارس المجهّزة بتقنيات وكوادر تعليمية وإدارية كبيرة ومتخصصة، فكمية الواجبات عالية للغاية والمطلوب كثير، ويتناسى هؤلاء أنّ الطالب الواحد كان له أربعة أو خمسة أو ستة مدرسين مختلفين كل يوم لتدريسه تلك المواد المختلفة، ثم يُراد من الأم غالباً أو الأب أحياناً أن يقوم بمهام هؤلاء جميعاً كل يوم، فما بالك إن كان للأمّ أكثر من طفل؟ رحمةً بالناس ولا تُحمّلوهم فوق استطاعتهم، الكارثة الأدهى إن كانت الأم تعمل عن بعد أيضاً، ربما يكون كورونا أرحم لها من هذا الضغط النفسي والبدني الرهيب!

الوضع استثنائي، والعالم يسير على أدنى حدود المطلوب حتى لا تتوقّف الحياة، فلنتفهم جميعاً هذه الحقيقة ولنستوعب توجيهات القيادة الرشيدة وتوجهاتها دون اجتهاد شخصي، فلا يُطالب الإنسان بما لا يستطيع، ولا نجمع عليهم مشاعر الخوف من الوباء وتشديد البعض بما لا داعي للتشديد فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اسمه «عن بُعد» لمغزى اسمه «عن بُعد» لمغزى



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار

GMT 08:09 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يُثني على النجم أبو تريكة ويعتبره نجم كل العصور

GMT 19:44 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"شانيل" تبتكرُ قلادة لؤلؤية بطول 60 قدمًا

GMT 16:32 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

كنيسة قديمة تتحول إلى منزل فاخر في جورجيا

GMT 16:59 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

جاكوبس تروي تفاصيل "The Restory" لإصلاح الأحذية

GMT 17:32 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مقتل صاحب إذاعة موسيقية خاصة بالرصاص في طرابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates