كيف تدمِّر بلداً

كيف تدمِّر بلداً؟

كيف تدمِّر بلداً؟

 صوت الإمارات -

كيف تدمِّر بلداً

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

قبل قرابة 2500 سنة، وضع أحد أعظم استراتيجيي الحروب في التاريخ البشري، وهو الجنرال الصيني سن تزو، كتابه (فن الحرب)، الذي ضمّنه خلاصة تجاربه وخبراته العسكرية والسياسية، ومن حينها، أصبح الكتاب مرجعاً لا يُستغنى عنه لا في المجال العسكري ولا السياسي ولا الإداري أيضاً، لكل من أراد خلق ميزات تنافسية له ضد خصومه، وكيفية التغلب عليهم في معترك الجيوش، وأيضاً، وهو الأهم، هزيمتهم داخلياً خلف جدرانهم الحصينة!

يؤكد سن تزو، أنّ أفضل طريقة لتدمير عدوّك، هي بإفساد كل ما يُمثّل قيمة له، وألا يُترَك له الجو ليعيش كما يريد، وأن يُلبّس عليه قدر الإمكان، حتى لا تبدو الأمور كما هي، فهو يقول: «تظاهر بالضعف عندما تكون قوياً»، ليطمع فيك، ولا يضخّم قدراته تهاوناً بك، و«تظاهر بالقوة عندما تكون ضعيفاً»، حتى لا يجرؤ على مهاجمتك أو إيذائك، ثم يُكمل قائلاً، لتأكيد ضرورة ألا يبقى خصمك مستقراً، ابدأ لإنهاكه: «عندما يكون عدوك مستريحاً، اجعله يتعب، عندما يكون شبعان، اعمل على أن يتضوّر جوعاً، عندما يكون مستقرّاً، اجتهد في أن تجعله يتحرك كثيراً»، هذا الدهاء يراه لزاماً، لأن الانتصار يبدأ قبل لقاء الجيوش بمدة طويلة، دون تخطيط وعمل مضنٍ مسبق، وإلا فإنّ الكفّتين ستكونان متساويتين في الميدان، ما سيخلق لك الميزة، هو تعبك في حَبْكِ الأمور قبلها، لذا، يؤكد على حقيقة: «انزف الكثير من العَرَق في السِلْم، لتنزف القليل من الدماء في المعركة»!

الدنيا مسرحٌ كبير، والأوطان كثيرة، والموارد متناثرة، والذئاب لم تختفِ، ولكن لَبِسَت أقنعة الحملان، وكلما تألقت دولة، انتبهت لها عيون الطامعين، ولئن كانت الدسائس متقدمة منذ أيام سن تزو، فإنّ الأمور حالياً قد أضافت أبعاداً أخرى، وتحديداً في «إنضاج» دسائس الداخل، وكيفية توجيه طعنات قاتلة دون أن ينتبه لها أحد، بل أن تبدو أفعال العدو خيّرة، ويُنْظَر له كصديق، وأن ينجح بتسويق نموذجه ومنتجه الحضاري، ونَسَقه الاجتماعي، لينظر له المجتمع المستهدَف نظرة الإعجاب والرغبة في التقليد!

يقول العميل السري السوفييتي المنشق، يوري بيزمينوف، إنّ زمن الحروب العسكرية لإخضاع الدول، قد انتهى كأولوية، فالانتصار الآن يتم تحقيقه من خلال أربع مراحل لتمزيق أي بلدٍ، تبدأ بأهم مرحلة، وهي «إسقاط الأخلاق» Demoralization، وهي مرحلة تحتاج من 15 إلى 20 سنة، لتدمير منظومة الأخلاق والقيم لدى المجتمع المستهدَف، لماذا هذه المدة الزمنية تحديداً؟، لأنها المدة الكافية لتنشئة وتعليم جيل واحد من الصغار على «القيم» البديلة، والأخلاقيات المبتذلة، التي يراد ترسيخها في المجتمع، وتفصيل الرؤية والعقيدة والشخصية المطلوبة، والتي من شأنها نسف المجتمع ومحو هويّته بمرور الأيام.

يتم هذا الهدف، من خلال تدمير الدين بالسخرية منه ومِن رجاله، وتهويل المآخذ عليه، وتلميع من يهاجمونه، ووصفهم بالمفكّرين، واستبداله بالعقائد الباطنية المنحرفة، التي يتم تسويقها على أنها أكثر «إلهاماً» للناس، مهما كانت ساذجة أو بدائية أو متناقضة، وتمجيد أصحابها، وإبرازهم كرموز للرأي الحر والفكر المختلف، بالإضافة إلى استبدال المؤسسات الدينية المحترمة، بمنظمات وهمية تسهم في صرف انتباه الناس عن الإيمان الحقيقي، وجذبهم لأنواع العقائد الدخيلة.

تكتمل هذه الخطوة بإفساد التعليم، من خلال صرف الناس عن تعلّم أي شيء بنّاء وواقعي وفعال، والعبث بالنسق الاجتماعي، بخلق منظمات وهمية، تهدف لنزع الإحساس بالمسؤولية لدى المجتمع، وإضعاف الحس الوطني والولاء للبلد وحكومته، وفي الغالب، يتم ذلك بواسطة دعم رموز إعلامية لم تكن معروفة سابقاً، ولا تحظى بقبول الناس، لكنها وَجَدت دعماً غير معلوم، وأصبحت ذات تأثير كبير في الحياة الاجتماعية، بطريقة تتفق مع من يحرك الخيوط سراً!

المرحلة الثانية، هي «زعزعة الاستقرار»، وتأخذ من سنتين لخمس سنوات، ويتم ذلك بإذكاء النعرات الطائفية والعصبيات في المجتمع المتماسك لتمزيقه، وتقديم قدوات زائفة، لتسطيح الفكر المجتمعي، ونقل المجتمع من التركيز على المهمات، إلى البحث عن سفاسف الأمور، والجري وراء الموضة والملذات، وفقدان الحس بأهمية احترام الوطن وأُسسه ورموزه، في هذه الخطوة، يتم البحث عن الخونة المندسين، عن أصحاب الأجندات المريبة والمطامع الشخصية، عن أتباع العقائد المناقضة والمنافرة لعقيدة البلد، وغير المتعايشة معها، عن عملاء دول معادية، يمكن شراؤهم وتجنيدهم، ثم دعم الجميع بطريقة غير ملحوظة، لجر البلد إلى المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الأزمة، التي تستمر من شهرين إلى ستة أشهر، تنتج عنها فوضى سياسية وانفلات أمني، ودخول البلد لنفق مظلم، أو حرب أهلية، تؤدي للمرحلة الرابعة، بتقديم شخصيات مُلمَّعَة تتصدر المشهد السياسي، وتدين بالولاء للعدو!

يقول يوري بيزمينوف: «إن أقوى علاج لهذا السيناريو، يبدأ بإيقاف أخطر خطوة، وهي الأولى «إفساد الأخلاق»، وذلك لا يتم بطرد العملاء الأجانب، أو إضاعة الجهد والوقت والمال للبحث عمّن يحرك خيوط اللعبة، ولكن أنجح وأنجع حل لإفشال الخطوة الأولى، هو بـ «إعادة المجتمع للدين»، لأنّ الدين هو ما يحكم علاقات المجتمع، ويجعله يتناغم بطريقة سلسلة، ويحفظ تماسكه، حتى في أكثر الأيام سواداً!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تدمِّر بلداً كيف تدمِّر بلداً



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات
 صوت الإمارات - بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 02:29 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين الجسمي يحتفي بيوم العلم الإماراتي
 صوت الإمارات - حسين الجسمي يحتفي بيوم العلم الإماراتي

GMT 02:25 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان
 صوت الإمارات - غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان

GMT 20:59 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 20:58 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

شرطة نيويورك تبحث عن رجل أضاع خاتم الخطوبة

GMT 09:44 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد بن سعيد يدشن " فندق ألوفت دبي ساوث " فى الامارات

GMT 23:20 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

محمد الشامسي جاهز للمشاركة مع الإمارات أمام عمان

GMT 01:40 2016 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

حمود سلطان يطالب برحيل المدرب الاماراتي مهدي علي

GMT 10:48 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

الطاولات الجانبية في الديكور لتزيين غرفة الجلوس

GMT 19:49 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

سيفاس سبور يكتسح قيصري سبور برباعية في الدوري التركي

GMT 00:03 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحالف معظم الكواكب لدعمك ومساعدتك في هذا الشهر

GMT 08:50 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي يقهر عجمان بثلاثية في الدوري الإماراتي

GMT 00:38 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

شباب الأهلي يرغب في التعاقد مع الإكوادوري كازاريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates