لا «أنا» أمام الوطن

لا «أنا» أمام الوطن

لا «أنا» أمام الوطن

 صوت الإمارات -

لا «أنا» أمام الوطن

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم -عوض بن حاسوم الدرمكي

الحياة في مجملها أشبه بسباق ماراثون، ما إن ينتهي واحد حتى يبدأ آخر، وليس شرطاً أنّ مَن يبدأ بقوة هو الرابح، بل ما يهم هو أين يكون عند خط النهاية، هناك من يستنزف طاقته في البداية لكي يُبهِر المشاهِدين ويستمع إلى آهات الإعجاب، فيختصر كامل ميدان التنافس في تلك المساحة المكانية الصغيرة، لكنه لا يلبث أن يتراجع كلما طال أمَدُ السباق وتفوّق عليه بالتدريج من أحسن توزيع جُهده ولم يغفل عن طول المسار وما يحتاجه، قد يكون الهدف النهائي حاضراً أمام الجميع لكن هناك من عَمَل له وهناك من لم يفعل!

تخوض أوطاننا العربية عموماً والخليجية خصوصاً معركة ضارية، فضلاً عن نزالها الكبير لتقويض وإيقاف المشروع الطائفي التوسعي لساسة طهران وأعوانهم وأذنابهم في بلاد العرب، تلك المعركة الحتمية هي مع جماعات فكرية متطرفة، الخوف هنا ليس من ضبابية الرؤية فهي واضحة تماماً والخصم يعرفه الجميع، سواء كان في الحاضنة الأم وهي جماعة الإخوان أو مَن خرج مِن عباءتها بطريقةٍ أو بأخرى كالقاعدة أو داعش، لكن الخوف من إعلان الانتصار مبكراً قبل التخلص تماماً من جذور ذاك الفكر، عندما يخفت الصوت فهذا لا يعني اختفاء المصدر، فهؤلاء خبراء لحد الشيطنة في القفز على الحبال والتلوّن والتستّر وراء أقنعة جديدة يستطيعون العودة من خلالها مرات ومرات!

إنّ قضية «تجفيف المنابع» يفهمها البعض جيداً، ويعمل على تنفيذها لقطع دابر الشر من بدايته حتى لا يخرج من الباب ليعود من النافذة، لكن هذا لا يجعلنا نتجاهل أن كثيراً من مؤسساتنا الإعلامية تُردِّد هذه العبارة وأمثالها من باب «مع الخيل يا شقرا»، فهي جملة تُلاكُ كثيراً لإعطاء الانطباع بأن الجميع يعي هذا المبدأ ويعمل على تنفيذه، لكن تقلب الصفحات سواء كانت ورقية أو بين ثنايا حسابات مواقع التواصل فلا تجد فعلاً سوى ذات الردح المعتاد والكلام المعلّب والطرح الانفعالي الذي سمعناه آلاف المرات!

ما لم يتم إعادة تركيب «أرضية الوعي» للمجتمع العربي، فإننا سنبقى طويلاً في صراع ردّات الفعل التي لا تتوقف مع تلك الجماعة وأقنعتها المتجدّدة، ودوما يكون الأضعف هو الطرف الذي يوضَع في خانة الـمُدافِع والذي يتمحور دوره في الرد وليس المبادرة، لأنه يتم جَرّه على الدوام إلى ساحات مُعدَّة سلفاً لبذر الشك في نفس المشاهد والمتلقّي البسيط، لذا لا بديل عن إعادة تركيب أرضية الوعي، لا بد من مسح الغبار عن الأركان الرئيسية للفكر والأخلاق العامة، والتي تُصبِح ميزان أي فكرةٍ تطرأ أو شُبهة تطرح، هنا حيث يُفترَض أن ينصب جُهد المؤسسات الإعلامية، فالفكر السقيم لا يكفي أن تكشف عُواره وأخطاءه، بل لا بد من تقديم البديل السليم، لا يصح إطلاقاً أن يُترَك فراغٌ في الوعي المجتمعي، ما لم يتم ملؤه وإلّا فإنه سيكون حصان طروادة جديداً ومَدخلاً آخر لتلك الجماعة وغيرها!

 

إن جماعة الإخوان «طَبَخَت» على نار هادئة لدرجة الجنون وبمعاييرهم الخبيثة قضية المقبول والمرفوض، والموثوق والمطروح، والحرية والاستعباد في الوعي العربي، وتم تقديم كُتّابهم طيلة الثمانين سنة السابقة باعتبارهم أساطين الفكر والمنافحين الأنقياء عن الإسلام ومَن عداهم ليس إلا مدخول فكر أو مهزوز عقيدة أو متملّقاً لحاكم أو امتداداً لـِمُستَعْمِر، وسلطوا سياطهم ضد أي مُفكّر أو كاتب جميل ليس على خَطّهم، فأطلقوا التصنيفات وبحثوا عن أي شُبهة لإسقاطه من قلوب وعيون الناس لكي تخلو الساحة لهم فقط، وقد نجحوا في ذلك إلى حد كبير.

لذا فنحن نحتاج الآن لتقديم الفكر العربي الإسلامي بطريقة سليمة، من مصادره الموثوقة وبصورته الحقيقية التي هي قرينة الطُهر والعدالة والاتزان والتسامح والتفاعل الإيجابي مع مَن وما حولها، وليس بمحاربة وطرح فكر شيطاني والإتيان بفكر شيطاني آخر، إن من يريد خيراً لهذه الأمّة لا بد أن يبحث في فكرها الحقيقي النيّر، وليس بالتنبيش في الأقبية المظلمة لإخراج كل منحرف بدعوى أنّه كان متحرر الفكر وتم مهاجمته ظلماً، إنّ من رفضته ولَفَظته الأمّة في عزّ قوتها وتماسكها لن يكون عوناً لها في وقت شِدّتها، الفكر المظلم لا يُبْصِر أبداً!

نحتاج أن تعي المؤسسات ومراكز الأبحاث المسؤولية التاريخية تجاه مجتمعاتها حالياً، نريد مؤسسات ينصب جُهدها على الدفاع عن الوطن ودحض شبهات المشككين وتقديم الطرح الرصين لتوجيه الوعي المجتمعي وتحصينه، نريد مؤسسات تخدم الأوطان وليس مؤسسات تخدم الأشخاص الذي يعملون بها، إنّ أولى علامات وطنية الإنسان عندما يُنكِر ذاته في سبيل وطنه، وأولى بوادر إخلاصه اهتمامه بالصالح العام وسمعة الوطن، وإغفاله تماماً إغراءات أضواء الشهرة، إذ أن الأوطان العظيمة لا يبنيها الباحثون عن تلميع أنفسهم على حسابها!

الوطن ومن به يحتاجون تضافر جهود الجميع، الجهود المخلصة التي لا تحمل إلا همّ الوطن ورؤية قيادته، والتي تبحث عن تأصيل الفكر الذي يُشكّل هوية من به وخصوصيته منذ مئات السنين، والتي تعرف أهمية التدرج والصبر وتوزيع الجهود، لأن السباق طويل والخصوم مختلفون، والتي تعي أن الانتصار في معركة لا يعني الانتصار في الحرب، فالطريق طويل واستمرارية الصراع حتمية، فمَن غَفَل لا يُغفَل عنه، كما قال الحاجب المنصور أمير الأندلس عندما عاتبه صاحبه على طول سهره وعدم نومه فقال: «لو نامت عيني لَصَحَت كل عينٍ نائمة في الأندلس»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا «أنا» أمام الوطن لا «أنا» أمام الوطن



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار

GMT 08:09 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يُثني على النجم أبو تريكة ويعتبره نجم كل العصور

GMT 19:44 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"شانيل" تبتكرُ قلادة لؤلؤية بطول 60 قدمًا

GMT 16:32 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

كنيسة قديمة تتحول إلى منزل فاخر في جورجيا

GMT 16:59 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

جاكوبس تروي تفاصيل "The Restory" لإصلاح الأحذية

GMT 17:32 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مقتل صاحب إذاعة موسيقية خاصة بالرصاص في طرابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates