بقلم -عوض بن حاسوم الدرمكي
يقول المصلح الكبير مارتن لوثر كنغ إنّ: «أخطر المجرمين هو ذاك الذي يملك سبباً لكنه لا يملك أية أخلاق»، هذا الرجل لم يكن يتحدث عبثاً ومن باب «التفلسف» فقط، ولكنه كان يُعاني وجماعته من السود والملونين في الولايات المتحدة من جحيم التفرقة العنصرية التي كانت تتبناها الحكومة وكافة مؤسساتها، لم يسكت عن نشر الحقيقة ولم يطمس رأسه في الرمال كالنعامة متأملاً أن تحل المشاكل نفسها بنفسها، بإمكانك أن تخدع نفسك لكنّك لا تستطيع خداع نواميس الكون وقوانين التجمعات الإنسانية!
إن الأيام تُقدِّم لنا الكثير من الدروس دون توقف، هناك من يتعلّم سريعاً منها وهناك من يسقط في مطباتها على الدوام لأنه لا يتعلّم أو بالأصح لا يريد أن يتعلّم، فالطرفان تحصّلا على خبرة من تعاملهما مع دورات الأحداث، لكن الفارق في طريقة التعاطي معها، وهو ما يفسّره الفيلسوف الإنجليزي الدوس هاكسلي بقوله: «ليست الخبرة هي ما حصل للإنسان، بل ما فعله تجاه ما حصل له»، لن نَبْعُدَ كثيراً إنْ ذكرنا أن ذات الشخص بعد أن «انفقعت مرارته» وهو يرى فظائع بلاده التي ترتكبها في حق الشعوب الصغيرة ويُعايش بعدها الحربين العالميتين المدمرتين ليضرب أخماساً بأسداس على ما يفعله «العالم الأول» وبحار الدماء والدمار التي أسالها وهو يتشدّق بالحضارة والفكر واحترام تعددية الآراء، ليقول بعدها هاكسلي مُتهكماً:«ربما كان هذا الكوكب هو الجحيم الذي يُرسَل له سكان الكواكب الأخرى»!
البعض من «ربعنا» لا تروق له المقالات التي تكشف السجل الأسود للولايات المتحدة والدول الأوروبية تحديداً، ويرى أنّ ذلك مما لا يجب أن يُطرَح منعاً لتأجيج مشاعر الكراهية وتعزيزاً لقيم التعايش والتسامح مع الآخر، هنا يحضرني من جديد مقولة لمفكرٍ غربي آخر هو الكاتب والعالم الشهير إسحاق أسيموف والذي كأنه يرد على ذات «الربع» الذين لا يريدون توضيح الحقيقة كما هي ويُفضّلون عوضاً عن ذلك التعامي عنها، فيقول منبّهاً للمبالغين في المثالية:«إذا كانت المعرفة هي من ستخلق المشاكل، فبالتأكيد ليس بالجهل نستطيع حلّها»، نعم، فطمس الحقائق المرّة لن يُغيّرها والأسوأ من ذلك لن يوقف مرتكبها إنْ لم يُشجّعه ذلك أكثر ما دام هناك من يتبرّع بمساعدته لإخفائها!
الغريب أن بعض «ربعنا»يتبنّون مواقف حادة لا تجدها في أي مكان آخر، ففي الغرب نفسه تمتلئ مكتباتهم بسيل لا يتوقف من الكتب التي تكشف جرائم حكوماتهم في حق الشعوب الأخرى وتضج الشاشات بأفلام وثائقية كثيرة جداً والعديد منها تحول إلى أفلام سينمائية حققت أرباحاً هائلة لتَلَقِّي الناس لها بالقبول الكبير، ولم نسمع أحداً هناك يثور عليها أو على مؤلفيها رغم قسوة طرحها بدعاوى نشر الكراهية أو الإساءة لقيم التسامح والتعايش، مشكلة بعض العرب أنهم يأخذون من المعنى ما يشاءون ثم يُسقطونه على ما لا يعجبهم حتى وإن كان الإسقاطُ غيرَ صحيح، ثم ينتظر تطبيل من هم من ذات الفئة ليعلو الضجيج ويظنون أنّ ما قالوا وقرّروه هو الصواب الوحيد وما عداه فهو الخطأ المحض !
كل ما ذكرته شخصياً في المقالات السابقة وسلسلتها اللاحقة بعون الله تعالى لا تعدو أن تكون شيئاً يسيراً مما تضجّ به كتب مُفكّريهم ومُحلليهم السياسيين وليست من باب «التبلّي» أو المبالغة، وكشف جور ونفاق وغدر الحكومات الغربية مما يتوجّب على الكتّاب المحبين لبلادهم، فهذه الحكومات لا تستهدف بلاداً تقع في كوكب المريخ أو عطارد ولكنها تستهدف بلداننا تحديداً المليئة بالموارد الطبيعية والتي يمثل أحدها وهو النفط عَصَبُ حياة العالم، ورغم الشعارات البراقة التي يُطلقون لكن أفعالهم تكشف نظرتهم الحقيقية لنا ولبقية دول العالم الصغيرة، فهم لا يعتبروننا سوى أرقام زائدة عن الحاجة، لذلك لا تعصف الأوبئة «المخطّطة» إلا بالشعوب الفقيرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وما دامت هذه الدول تملك موارد طبيعية فلن يتوقف استهدافها وإنْ اختلفت طريقة الاستهداف لتبدو أكثر لطافة وتماشياً مع شعارات العولمة والحريّات ونشر التسامح!
إن من يتفكّر جيداً لا بد أن يُلاحِظ ذلك التركيز على جَعْل سكان الدول الصغيرة يشعرون بالانكسار ويحاولون الانسلاخ من هوياتهم الحقيقية، فالإعلام الغربي ومطبّلوه في دول العالم النامي يُعيدون التشديد على انعدام مساهمتنا في الحضارة العالمية، وبأننا بالأصح عالةٌ عليها، فالغرب هو من يخترع ويبتكر ويجتهد ويتعب ونحن لا نعرف سوى الاستهلاك فقط في أحسن الظروف أو إخراج جماعات إرهابية لقتل الناس بأحزمةٍ ناسفة في أسوأها، تلك الجماعات التي لم يخلقها سوى الغرب نفسه!
لنعرف تلوّن الغرب وأنهم لا صديق لهم سوى مصالحهم، وهي على الدوام مصالح من جانبٍ واحد دون اكتراث بالطرف الآخر ومستعدة للابتزاز دون تحفّظ، فقبل أن تحط أقدام الملك سلمان بن عبد العزيز في موسكو كان أمين الأمم المتحدة البرتغالي أنتونيو غوتيريس يُدرج بناءً على أوامر الولايات المتحدة التحالفَ العربي لإعادة الشرعية في اليمن ضمن القائمة السوداء المتهمة بجرائم استهداف الأطفال والمدنيين!
إنّ كشف هذه الحكومات المتلوّنة وبيان حجم مؤامراتهم وجرائمهم، التي لا تتوقف ولا يبدو أنها ستتوقف أبداً، ضروري حتى نشعر بالتقدير للدور العظيم الذي تبذله حكوماتنا وأجهزتها الدبلوماسية لكفّ شر هذه الدول الجائعة على الدوام، نحن لا نعيش في عالم وردي كما يحاول تصويره المثاليون، بل نحن في عالم متوحش وتستهدفنا دول متغطرسة ذات أجندات جهنمية، ولولا فضل الله ثم الأدوار الحكيمة الحثيثة لحكوماتنا وإلا لما رأينا نمواً ولا تنمية ولا أمناً، ولننظر كيف تعاملت حكومات الدول الإفريقية تحديداً الغنية بمواردها مع الغرب والكوارث التي جرّتها لشعوبها لنعرف قيمة وفضل ما تفعله حكوماتنا حتى تعبر السفينة بسلام في هذه البحار المتلاطمة، حيث كل متربّص بنا يملك أسباباً لطمعه لكنّه لا يملك أخلاقاً!