ميساء راشد غدير
من فترة ليست بالقصيرة عمدت دولة الإمارات من خلال المؤسسات المزودة بخدمات الاتصالات إلى حملة موسعة لتسجيل أرقام الهواتف المحمولة بأسماء مستخدميها لأغراض متعددة أهمها الأمنية، ولم يدرك كثيرون أهمية هذه الحملة إلا بعد وقوع مشكلات وقضايا بسبب سوء استخدام البعض لأرقام الهواتف غير المسجلة بأرقامهم، وتوريطهم في قضايا وإن كانت في ظاهرها بسيطة إلا أنها تقع ضمن جرائم تقنية المعلومات والجرائم الأمنية.
في الأسبوع الماضي فوجئنا بما أطلعتنا عليه نيابة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا، يوم طالبت بإنزال أقصى العقوبات بحق المتهمين في قضية إساءة ضباط من جهاز أمن دولة خليجية، إلى دولة الإمارات ورموزها، بعد استخدامهم شرائح هاتف جوال إماراتية وسعودية، للتسجيل في مواقع التواصل الاجتماعي، لإيهام المستخدمين بأنهم إماراتيون ينشرون صوراً ومعلومات وشائعات مسيئة للدولة ورموزها، لتنفيذ مخططاتهم.
قانون العقوبات الاتحادي في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات سينفذ عليهم، لكن ما يهمنا الدروس التي لابد من الاستفادة منها بعد هذه القضية، إذ إننا لم نتخيل وصول الأمور إلى هذه الدرجة من التآمر من دولة خليجية ضد دولة شقيقة، ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر جذباً للشباب، وأكثر الوسائل التي تسبب الخلافات والفتن بين دول الخليج.
بغض النظر عن طبيعة الوظائف التي كان يشغلها المتهمون، إلا أن القضية تؤكد سوء استخدام بعض المديرين لسلطاتهم على الموظفين الأقل منهم درجة، وفي مسائل أمنية وسياسية يفترض عدم رضوخ الموظفين لها، فتلك مسألة لا يمكن أن تقبل بها أي دولة مهما بلغت درجتها في الديمقراطية، ومهما ارتفع سقف حرية التعبير فيها، لأنها ستسبب الضرر للمتورطين فيها في النهاية قبل الدول وأشخاصها وهو ما وقع فعلاً!
قد يعتقد البعض أن الخيارات أمام تلقي الأوامر من المديرين في وظائف من هذا النوع لا يقابلها سوى التنفيذ والامتثال لها بالطاعة، ولكن ليدرك كل من يقبل المشاركة في مؤامرات من هذا النوع، لا تقوم على أساس من الدين والأخلاق أو المهنية، أن مصيرها الفشل، وأن من يدفع الثمن الطائل فيها لن يكون إلا من استخدم كبش فداء وجرّ غيره في شبكات التواصل لتشويه رموز وشخصيات الدولة.
لذا ومن خلال هذه القضية التي نتمنى أن تصدر فيها العقوبات الرادعة على المتهمين، نتمنى أن تكون رادعاً لكل من تسول له النفس المساس بشخصيات ورموز دولة الإمارات أو التدخل في شؤون الغير، ونتطلع إلى أن تزيد من حرص كل شخص فينا بأن لا يتيح للغير إساءة استخدامه شخصياً أو استخدام ممتلكاته لإلحاق الضرر بالشخصيات أو المؤسسات، فتلك جرائم يحاسب عليها القانون، ووحدنا وقتها من يدفع الثمن!