بقلم : محمد الجوكر
نتواصل للعام السابع على التوالي، ونتناول هذه المرة عملاً توثيقياً آخر بالكلمة والصورة، فالذكريات تعني الكثير لكل إنسان، وتبقى عالقة بالأذهان على مر السنين، وصور الذكريات هي التي تجسد أصل وأساس الحكاية، لأنها تذكرنا بالأيام الجميلة التي نتمنى أن تعود إلينا من جديد.
«كانت أيام» جزء مهم في مسيرة الرياضة الإماراتية، يستعيد بعض التفاصيل الثرية التي حدثت خلال الحقبة الماضية التي نحكي فيها عن الأحداث والمناسبات التاريخية، ونلقي الضوء على الأشخاص الذين كانوا فاعلين في بؤرة الأحداث بصور مختلفة ومتنوعة، تنشر غالبيتها للمرة الأولى، وترصد تاريخ رياضتنا طوال الخمسين سنة الماضية، فكثير من هؤلاء، الذين مروا علينا، كانت بصماتهم واضحة على رياضتنا، ولم يعد يتذكرهم الجيل الحالي، فمنهم من غيبه الموت، ومنهم من تقدم به العمر، لكنهم أسهموا إسهاماً فاعلاً في تقدم الرياضة الإماراتية ورفعة شأنها، وعملوا بإخلاص وتفانٍ، ولم يستغلوا مناصبهم في تحقيق مكاسب شخصية، «كانت أيام»، هي فرصة لرد الجميل لكل هؤلاء، واحتفاء بالرموز لكي تكون قدوة ونبراساً في العطاء للجيل الحالي.
الرياضة الخليجية انطلقت من خلال الريادة المصرية، وبدأ ذلك منذ سنوات طويلة، وأسهم عدد كبير من أبناء مصر الحبيبة سواء من المدرسين أو الأطباء وحتى الإعلاميين المصريين في نشر الرياضة والثقافة والعلم من خلال التدريب والتدريس في المدارس الحكومية منذ الأربعينات، وزادت هذه البعثات والعلاقات مع ثورة يوليو التي أسهمت بدور كبير في إثراء عدد من الدول العربية ومنها دول الخليج، وأبدأ بهذه المقدمة بسبب الأحداث الحزينة المؤسفة الجارية الآن في مصر الحبيبة، فالقلق يراود كل من يحب أرض الحضارات وندعو الله في هذه الأيام المباركة أن تزول الغمة وأن يعود الآمان والاستقرار إلى بلد الأمان، فمن يشرب من ماء النيل لا يستطيع أن يقف عاجزاً دون أن يعبر عن مشاعره تجاه هذا الوطن الغالي وبيت العرب، فخرابه ودماره هو خراب لنا جميعاً.
رياضياً لابد أن نتذكر فضل المصريين على الكرة الخليجية وأن أول من درب منتخبنا كان المرحوم شحته نجم الإسماعيلي، ودرب الكثير من المصريين عدداً من المنتخبات الخليجية منهم الشرقاوي أول مدرب يشرف على المنتخب البحريني لكرة القدم من خارج المملكة، وبعد النكسة عساها ألا تعود عام 68 زارنا «الدراويش»، ولعب عدة مباريات ودية مع فرقنا، ونفس الأمر ينطبق على العديد من دول الخليج وساهم المدربون المصريون في الإشراف على تدريب المنتخبات الخليجية بالأخص في دورات كأس الخليج في بداياتها وأشرفوا خلالها على إعداد أجيال من اللاعبين من مختلف المستويات والأعمار.
معسكرات وزيارات
واعتادت آنذاك منتخبات الخليج أن تقيم معسكراتها التدريبية في مصر في إطار استعداداتها للمشاركة والتحضير للبطولات منذ السبعينات، ونذكر الفرق الكبيرة كالأهلي المصري والزمالك والإسماعيلي والترسانة وهي من أقوى الفرق المصرية التي زارت المنطقة في تلك الفترة، وضمت عدداً كبيراً من اللاعبين المشهورين آنذاك، ومنهم عبدالمنعم الحاج الذي درب العديد من الأندية في قطر وإبراهيم الخليل، خيري، مصطفى رياض، الدهشوري حرب والشاذلي، وقد لعب المصريون هنا في منطقة الخليج منذ فترة ليست ببعيدة، بل البعض منهم مثّل دولنا في البطولات العسكرية كمواطنين أمثال حسن شحاته مع الكويت، حيث كان نجماً مشهوراً في نادي كاظمة عام 67، بجانب الحراس سمير محمد علي، وطه بصري في العربي الكويتي، والعديد من الأسماء، وفي الإمارات أتذكر الحارس أشرف أبوالنور ورجب عبدالمنعم مثلا الدولة عسكرياً، وبالطبع هناك العشرات من المدربين الذي عملوا في سلطنة عمان وساهموا في نشر الرياضة وتطورها في الدول الخليجية.
نجومية بنيران صديقة
يقول طه الطوخي المدرب القدير من ذكرياته آنذاك، وهو الذي تألق خليجياً ومحلياً وأصبح رجلاً محبوباً في كل الأوقات: كنت طالباً بكلية الشرطة ولاعباً بفريق كرة القدم وتوجهنا إلى دمنهور لملاقاة فريقها في مباراة ودية لكرة القدم، لم أكن أعرف أن هذه المباراة بالذات ستغير مسيرتي الرياضية والمهنية. وخلال هذه المباراة وأثناء استعدادي لتنفيذ ركلة حرة، إذا بزميلي صلاح سليمان يركل ركبتي الشمال بعنف من غير قصد طبعاً. هذه الإصابة بالنيران الصديقة جعلتني أراجع حساباتي في أمور كثيرة أولها كرة القدم، حيث قررت عدم اللعب مجدداً بعدها، خصوصاً بعد أن أمرني الدكتور عبدالحي الشرقاوي طبيب العظام الأشهر وقتها، بعدم ممارسة أي رياضة أو المشاركة في طابور كلية الشرطة لمدة شهر كامل.
ويضيف طه الطوخي: أثناء دراستي قررت أن أدخل مجال التحكيم، واجتزت الاختبارات ونجحت، وكنا نقيم مباريات بين الطلبة بعد انتهاء الدراسة، وكنت أقوم بتحكيمها، لكن الغريب أنني وجدت نفسي أوجه اللاعبين في الملعب أيضاً وكأنني أملك ملكة التدريب، إلى أن جاء اليوم المشهود وحضر الأستاذ محمد عبده صالح الوحش إلى الكلية لمتابعة الشيخ طه إسماعيل، حيث كان مصاباً وقتها، وبعين الخبير لمحني واكتشف فوراً قدراتي التدريبية فظل يتابعني لمدة أسبوع إلى أن عرض علي القيام بمهمة التدريب في النادي الأهلي، ولم أصدق أذني وظلت كلماته "أنت حتبقى مدرب نابغة يا طه، عندك موهبة للتدريب"، إلى أن حسمت أمري وقبلت العرض لأبدأ حياة جديدة في الملاعب ونجومية خرجت من رحم معاناة الإصابة بنيران صديقة.
حب الرياضة
يقول طه الطوخي: فاتحت والدي برغبتي في ترك كلية الشرطة وانتقالي إلى كلية التربية الرياضية من شدة عشقي للرياضة وبالفعل هذا ما حدث وكانت دفعتي تضم أسماء شهيرة جداً في عالم كرة القدم أمثال الدكتور طه إسماعيل، والكابتن سمير قطب، وبدوي عبدالفتاح، وميمي عبدالحميد، وشحته، وعادل الجزار.
الدراويش
يعتبر الإسماعيلي أول فريق يزور الخليج لدعم المجهود الحربي المصري عام 1968، وشهدت سنوات الستينات عدداً كبيراً من اللقاءات الكروية، وزارت خلالها الأندية والمنتخبات المصرية، الدول الخليجية، واستمرت هذه العلاقة على مدى سنوات طويلة، كانت خلالها مصر محطة لإقامة المعسكرات للفرق والمنتخبات الخليجية.