بقلم : محمد الجوكر
قبل عقود من الزمان، كان للمعلم هيبته وقيمته ومكانته، في كل المجتمعات العربية، فقد كان يعتبر بمثابة الأب والأخ الأكبر والصديق، ويتم التعامل معه من هذا المنطلق، وكان هو يتعامل معنا بهذا المفهوم، ولذلك كنا نكن له كل الاحترام والتقدير، عاملين ببيت الشعر القائل «قم للمعلم وفّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا»، وأذكر في أيام المرحلة الابتدائية، كنا نحترم مدرسنا كثيراً، ونثمن دوره وجهوده، حيث كان يدرس لنا العلوم والرياضيات واللغة العربية والتربية الإسلامية، وأحياناً التربية الرياضية، ولا يكتفي بالمناهج الدراسية فقط، بل كانت له أدوار تربوية أخرى، وكانت حصة التربية الرياضية، من أساسيات المنهج آنذاك، وكانت لدينا فرق ومنتخبات، تمثل الدولة في الدورات المدرسية العربية، وقد شاركت الإمارات حينذاك، في العديد من الدورات بالإسكندرية وبيروت، وعدد من الدول العربية الأخرى الشقيقة، وبرز خلال هذه الدورات لاعبون، أصبحوا فيما بعد نجوماً يلعبون باسم منتخباتنا الوطنية، وإداريون تولوا الإشراف الإداري والتنظيمي، وبرعوا فيه لفترات طويلة، الأمر الذي أسهم في استقرار الرياضة الإماراتية، ما أهّلها للمشاركة في العديد من الأحداث والمحافل على المستوى الإقليمي والقاري والدولي، والفضل في ذلك يعود إلى انضباط ذلك الجيل من الزمن الجميل.
وكانت للمدرس صولاته وجولاته وهيبته، وعندما نشاهده في الطريق، خلال فترة الإجازة، كنا نخاف منه ونهرب، أو نصافحه باحترام، على عكس ما يحدث اليوم، حيث لا احترام ولا تقدير ولا خوف، بعد أن ضاعت هيبة المدرس، للأسف الشديد، وفي تلك الفترة، وقبل قيام الدولة بنحو ست سنوات، لم يكن مدرسنا يكتفى فقط بالحصص المقررة يومياً، بل كان يجلب لنا المعلومات، ويحرص على تثقيفنا بالكتب، وهو نفسه كان موسوعة ثقافية أدبية، ومن بين هؤلاء المعلمين الأجلاء، أذكر أستاذي عبد العزيز إسماعيل، الذي رحل عن دنيانا بالأمس، رحمه الله رحمة واسعة، بقدر ما قدم وأجزل العطاء، فقد كان قدوتنا ومربينا، وساهم في توعيتنا وتثقيفنا، وهو من أوائل أبناء البلد الذين تخرجوا في جامعة القاهرة عام 1963، وظل يعمل بالتدريس لعشر سنوات، قبل أن ينتقل إلى العمل الدبلوماسي، وهو رجل أديب بمعنى الكلمة، حببنا في الكلمة المقروءة والمصورة والثقافة ومختلف ضروب الإبداع الإنساني، فقد كان يحمل فكراً نيراً وروحاً طيبة، والتقيته آخر مرة أمام بوابة معرض الكتاب بالشارقة العام الماضي، وكان يجلس على كرسي متحرك، فذهبت إليه وقبلت رأسه، إجلالاً وتقديراً له، وبحمد الله، استطعت أن أقنع المنظمين للمعرض، بضرورة دخوله إلى المكان المخصص لكبار الشخصيات، لأنه رجل قدم الكثير للإعلام والأدب والثقافة، وله مساهماته الفاعلة، وحضوره المؤثر في الساحة الأدبية والفكرية والثقافية، ويملك عدداً من الكتب والدواوين الشعرية، وظل قريباً من الإعلام في دبي، حيث عمل في مكتب الشيخ حشر بن مكتوم، رحمه الله رحمة واسعة، وأختتم وأقول، بقدر ما قدم وأخلص وأوفى، إنا لفراقك يا أستاذي لمحزونون.. والله من وراء القصد.