علي أبو الريش
وطفلة تمشي على جمر اللظى، والنار والأرزاء والخطر.. يا سطر الكلمات ماذا يحدث في عيون الناعسات، ماذا يحدث في أفئدة الرجال، سوريا تلاشت تحت سياط الغدر والإرهاب واستبداد من حكموا، سوريا تبكي طفلة تشردت، وأخرى على سواحل البحار تنام عارية لا هوى ولا هواء، سوى وحشة التغرب والتجوال في غابة الوحشة والفقدان، والخسرات، لا دمع يكفكف لا صوت يخفف، لا رجع صدى يشفي غليل القابضين على شظف الحياة.
صور اللاجئين، وجوههم، وقمصانهم الممزقة، وقلوبهم المكلوفة، كل ذلك يسرد قصة الحريات المزعومة، والأكاذيب، وحديث جهابذة التدليس، وتهريب الحقائق.. كل ذلك، يحكي لمن يريد أن يرى ويسمع، ويقرأ أن في سوريا تسونامي، وأن في سوريا بطشاً لا ينام ولا يهدأ، وأن في سوريا زمراً من القتلة، ومصاصي الدماء وعشاق الأكاذيب، ورواد الدين المهشم، والقيم المحطمة، وأن في سوريا سجناً يتسع دموع الثكالى، والأرامل، ويقبض على حناجر الرجال كما لا تبوح الصدور عن مكنون ما يحصل في أعالي الثغور.. اللاجئ السوري صار فراشة يتيمة تطاردها عاصفة الغضب وكآبة الواقع المهزوم.
فهذه طفلة، غادرت الفصل المدرسي منذ أربع سنوات، وحقيبتها معفرة، تحت ركام البيت المهدم، وأحلامها الصغيرة كطائر قصت أجنحته، ليبقى الفضاء معقوفاً على رأسه، مثل سقف خيمة مهجورة.. وهذا صغير، لم يزل يتذكر لعبته في حديقة المنزل، التي تحولت إلى ثكنة عسكرية، أو مخبأ لعصابة همجية، لا يزال يتذكر كلمات أمه، وسؤالها الاعتيادي.. ماذا تريد أن تصبح في المستقبل.. يفكر الصغير وهو منقول على ظهر قارب صغير زج فيه بين الحشود مثل سمكة نافقة، يفكر في المستقبل الذي صار كدخان العوادم، أو بعض غبار نثرته سنابل خيل جامحة..
وهذه امرأة مزقها فراق الزوج والولد، فصارت في التيه تبحث عن عصا موسى، كي ينشف البحر وتسير القوافل باتجاه المجهول.. وهذا رجل شُقَّ قميصه من دبر، شُق صدر المكظوم، وأمسى، ينادي حريته المهزومة، ويطرح الأسئلة.. أي ربيع هذا، أطاح بالورق والنسق والحدث، وحزَّ العنق.. أي ربيع هذا مثل كذبة أبريل، أضحكنا ثم أبكانا كثيراً، حتى جف الدمع ويبست الحناجر، من هو الفراغ الموحش.. أي ربيع هذا والبحر الواسع يلتهم جثث المنتشرين على ظهور الموج مثل أسماك أحرقها فجور البحر الهائج.. وسوريا في البعد والقرب نار وسعار وشعارات كالزبد.