علي أبو الريش
أصبح من البديهي أن نتلقى عند كل صباح ومساء أخباراً هزلية تقشعر لها الأبدان وتثير الأحزان لأن المنقسمين في أتون هذه الوسائل أصبحوا يعيثون فساداً وكساداً في مشاعر الناس ويتلذذون في بث الشائعات والأخبار المغرضة وأصبح هواة هذا النوع من السلوك يعيشون تحت سقف خيمة خيالات وأوهام جعلتهم لا يستطيعون العيش من دون أن يبثوا مفاجأة كارثية في كل صباح ومساء..
الصور والأخبار التي تبث عبر شاشات الأجهزة الجهنمية أصبحت مثاراً للشك في أن هناك أناسا جندوا أنفسهم وحشدوا كل طاقاتهم لأجل إثارة البلبلة وإشاعة الخوف في نفوس الناس وصناعة الشك كسلعة رابحة يستفيد منها أولئك الذين لا تغمض أعينهم إلا عندما يصنعوا حكاية خيالية ما تفعل فعل النار في الهشيم وتنتشر مثلما ينتشر الغبار في يوم عاصف.
استخدام مثل هذه الوسائل بهذه الطرق الغوغائية يعبر عن سلوك إنساني بدأ ينقلب على عقبيه وبدأت الأخلاق تسير نحو الدرك الأسفل، وبدأ العقل البشري يستدير نحو الخلف ليلتقط الفتات وما لفظه التاريخ من بقايا وفضلات.
. الآن أصبح الشباب و«الشياب» يقتنون مثل هذه الوسائل كوجه من الوجوه الحضارية أو البرستيج وصار الفرد من هؤلاء لا يستغني عن جهازه السحري لأنه يضحكه كثيراً ويحوله في أحيان كثيرة إلى مخلوق معتوه وساذج وعبثي لا قيمة له من دون هذا الجهاز..
أصبح الأفراد يجلسون في مكان واحد لا يتجاوز الأمتار المربعة لكنهم يعيشون في حالة اغتراب لأن هذه الأجهزة حلت مكان العلاقات الإنسانية فغابت الكلمة، غابت الابتسامة في وجه أخيك وصار الأشخاص مجانين يضحكون بجلجلة ويثيرون البلبلة ويتصرفون بعقول مسربلة بالهستيريا وضعف الإحساس وموت الضمير.. عندما تشاهد شخصاً يضحك بصوت كصفير القطارات القديمة وينتفض صدره نافضاً عقله تشعر أنك أمام عالم يتقهقر ويذهب بسرعة فائقة إلى التخلف، تشعر أنك في حضرة بشر تخلوا عن نعمة العقل وتشبثوا بحبال مهترئة ويصيرون مثل الحشرات التائهة لا معنى لها، لا شكل لهم، لا لون لهم، لا وجه لهم غير وجه القبح والعدمية..
عندما تشاهد مثل هذه النماذج تحس وكأن الكرة الأرضية قد تخلت عن قانونها الطبيعي، وليست ثياب البدايات الأولى، يوم كان الإنسان مثل سائر الكائنات الحية في أكله وشربه وعلاقاته بالآخرين.. نطلب الله العون والصون لمن لم يصن عقله ولم يصن نفسه على العيش حياة طبيعية.. كحياة البشر.