بقلم : علي أبو الريش
الذين يخوضون معارك الجهل والتخلف عليهم أن يقرأوا وثيقة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى نصارى سانت كاترين في جزيرة سيناء في السنة السادسة للهجرة، هي الوثيقة التي تتضمن وعياً إنسانياً لا مثيل له، وسماحة دينية يندر أن نشهدها اليوم، وفي هذه الوثيقة أمن النبي للنصارى امتيازات مهمة، فقد ألزم أتباعه بالذود عن النصارى وحمايتهم من كل أنواع الأذى، والدفاع عن كنائسهم، وأسقفياتهم، وألا تفرض عليهم ضرائب غير عادلة، ولا يكره أحد منهم على ترك دينه، وألا يجلى راهب عن رهبانيته، وألا يمنع حاج عن أداء فريضة حجه، وألا تهدم كنائسهم من أجل بناء مساجد، أو بيوت للمسلمين، كما نصت الوثيقة أيضاً على أن النساء المسيحيات المتزوجات من رجال مسلمين يحق لهن البقاء على دينهن، فلا يتعرضن لأي إكراه وأن على المسلمين مساعدة المسيحيين في إصلاح كنائسهم وأديرتهم إذا كانوا بحاجة إلى هذه المساعدة.
في هذه الوثيقة السامية نحن أمام رسالة شديدة اللهجة إلى أولئك الذين سوفوا وتعسفوا وخسفوا وأسرفوا في التحريض على العنف وتدمير أسس الدين الحنيف، منطلقين من قيم ما قبل الإسلام، ومبادئ تدحض كل أشكال التعامل الإنساني بين الأديان، هذه الوثيقة تحيلنا إلى واقع ديني استضاء بنور التسامح والحب، والتآلف والتكاتف بين الأديان، ضد الشر ومشعلي شرارات الحقد والكراهية.
هذه الوثيقة هي وثيقة الإسلام وسُنة نبيه الأمين، هذه الوثيقة العلامة الفارقة ما بين ما جاء به الدين الحنيف وبين ما يطبقه اليوم شذاذ الآفاق، ومحترفو التدليس، وتجار الأفكار السوداوية وأعداء الإنسانية، هذه الوثيقة أتمنى لو تكون في كل بيت من بيوت المسلمين ليقرأ أطفالهم، ويستوعبون دينهم من منابعه لا من أفواه المجانين وعتاة المجرمين والناقصين والمعقدين والمرضى وأصحاب العاهات الفكرية.
أتمنى أن يكون لدعاتنا خطاب من هذا شفاف واضح لا يحتمل المواربة ولا التورية ولا التشبيه، خطاب يقوم على الذود عن وثيقة الحق وقطع دابر من يحاولون التشويه لارتكاب جرائم القتل تحت حساب فكر ضل طريقه، فغاص في أتون شوائب وخرائب وعواقب، ونواكب، ومصائب، وأتمنى أن ينتقل خطابنا الديني من التلقين إلى التبيين، لكي يتكئ هذا الجيل على أريكة ثقافية ودينية لا تهتز بعجالة ولا تعتز بجهالة، ولكي يعرف العالم أن ما يمارس اليوم على أرض المسلمين من قبل زمرة فاسدة، إنما هو نتيجة للجهل، وضحالة الأفكار التي يحملونها أو التي لقنوا بها فصارت عقولهم أوعية لاحتواء الحثالة، وتربة لالتقاط النخالة متى عصى عليهم رؤية الحقيقة، ومعرفة الحق.. واجبنا جميعاً أن هذا الحلم العربي الإسلامي الذي مزقت أوتاره ركاب الحمقى والمتعصبين والمتزمتين والمرتجفين.