علي أبو الريش
الحياة نهر إن أطلقت سراحه وصل إلى الحقول بسهولة فارتوت الأعشاب وترعرعت وازدهرت، وإن حجبته بحواجز الجهل تدفق بعصبية وفاض وأغرق الحرث والنسل..
وكم هي الإنسانية بحاجة إلى نهر الحياة الحر الذي لا تعثره صخور الجهل ولا تكدره شعاب العصبية، نحن بحاجة إلى وعي بقيمة الفكرة عندما لا تنتمي إلى عصبية ولا تخضع لعصاب، فكرة تقود الإنسان من الغيبوبة إلى الوعي، ومن الحذر إلى سحر الأشواق والأعناق المرفوعة، الذين يعشقون الحياة متفائلون، منفتحون، متسعون باتساع السماء، وبساطة الأرض، منتحون إلى الآخر ككل يكمل الأجزاء، متفانون من أجل الانعتاق من «الأنا» الضيقة، ذاهبون بالفكرة باتجاه أنهار العطاء.
في الحكاية القديمة أراد أحد الرحالة أن يزور ناسكاً ليتعلم منه سلام النفس، ولما طرق الباب ودخل أغلق الباب من خلفه بعنف ثم نزع رباط الحذاء ورماه بعيداً، فمد يده ليصافح الناسك، بيد أن الرجل رفض مصافحته، وقال لا أستطيع رد السلام عليك قبل أن تعتذر للباب الذي صفقته بعنف وكذلك الحذاء الذي رميته.
بهت الرجل واندهش لسلوك الناسك وقال: كيف أعتذر لجماد؟ فقال الناسك: إنك لا تعتذر للجماد وإنما للحياة، وهذه الأشياء من الحياة، فعندما تعامله بهذه الصلافة والغضب فإنك لا تستطيع أن تصل إلى السلام الروحي الذي جئت تنشده.
أذعن الرجل لأوامر الناسك وبعدها مد يده فقال له الناسك: الآن أستطيع أن أصافحك ومن ثم أناقشك..
أما قبل ذلك فلم يكن من المجدي أبداً أن أحاور «أنا» احتلها الغضب، وفقدت قدرتها على استيعاب ما قد أسديه لك..
وهكذا فإن سلام النفس البشرية هو الأساس، والأهم من أي اختراع مادي، بل أهم من الصعود إلى القمر أو شطر الذرة..
نحن بحاجة إلى سلامنا الداخلي حتى نستطيع مجاورة الآخر والتعاطي معه بعفوية وعفاف وبشفافية واستشفاف.
"الاتحاد"