علي أبو الريش
العقل المأزوم، ينحو باتجاه التمرد، والخروج عن الطوق، بأي شكل من أشكال الدفاع عن الذات المهشمة.. ماذا يفعل الديني ضد الليبرالي، وماذا يفعل الليبرالي ضد الدين وماذا يفعل الاثنان ضد الثوابت الدينية والوطنية.
فعندما يكون المنحى هو طعن الوطن وتحت أي مسمى، فإن النتيجة تكون اختلاس الواقع واقتناص فرص الانقضاض للقضاء على الموجود لإيجاد حلول، تبدو براقة ولكن في مضمونها فاشلة، لا تقدم حلاً وإنما تضع أزمات أولها، تحطيم المنجز الوطني، وآخرها تهشيم الثوابت الوطنية، وإحالة الوطن إلى مجموعة قصاصات تالفة أو فتات أوراق صفراء وهذا ما نشهد بعد أن وضعت الحرب أوزارها في الربيع العربي، وبعد أن طارت الطيور القديمة بأرزاقها وبقي الربيعيون يتخاصمون على قطع الأرض، ولا يتقاسمون إلا العداء ما بين الفرق المتحاربة، وكل يأتي بمبرراته التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
فالليبرالي الذي صفق للحرية المزعومة، أصبح اليوم في مأزق الحرب الطاحنة مع الدين الذي لم يملك من زمانه سوى فكرة الموت والقضاء على الآخر بأي صورة من الصورة، ولم يكن ليحصل مثل هذا التناطح الدموي، لولا بروز العقل المأزوم والواقع تحت سطوة أنا فرغ محتواها، وأصبحت تهيم في وادٍ سحيق، غير ذي زرع، وصار العقل، مثل الكائن المهزوم، والمطارد بأنياب ومخالب، وليس أمامه إلا نطح الأرض بقرنين متهالكتين متهاوتين.
اليوم وبعد مرور سنوات من الربيع العربي، نجد أن العقل المأزوم، قد وقع في خدع بصرية مثلما يقع المرضى النفسانيون، تحت وطأة الصور الوهمية، لأشكال وأشخاص، وأساطير وخرافات تؤرق مضاجعهم.. ولن يخرج العقل من أزمته إلا إذا استطاع الإنسان أن يحمي نفسه من سطوة الوهم، ومن التحرر من سبات الأنا على فراش الأنانية البغيضة.