علي أبو الريش
للتاريخ شواهد، وقواعد، وسواعد، ولا يمكن أن يكون التاريخ من غير حصون ترفعه، وغصون تشرعه، وفنون تلوّن أجنحته بالبياض.
قصر الحصن، الطائر الذي غرد، وأفرد للتاريخ طوقاً وحدقاً، وغصناً مورقاً، قصر الحصن في المكان رمانة الميزان، وفي الزمان أنشودة رفرفرت أجنحتها عند رايات وساريات، وغايات وبدايات بلا نهايات..
. قصر الحصن، قامة الوطن، تفضي إلى آفاق الذاكرة، ذاكرة تزدهر بالإنجاز والإعجاز، ذاكرة تزخر، بالسجايا والطوايا والثنايا، والمزايا ومن ثياب العز ترفل بالفرح وتزهو بعزيمة الرجال الأفذاذ، الذين يضعون الوطن ما بين الرمش والرمش، والجباه العالية صفحات على سطورها نقش التاريخ مآثره، وأثره وحدق في العيون والأتون، حدق بكل الفنون يهفهف كأنه الفراشات الجائلة في بساتين الأمل، كأنه الطير يحلق في الذاكرة، يملؤها بالحنين دوماً إلى ماضٍ جميل، ليمضي إلى مستقبل أجمل إلى كل الأمنيات والأمل، إلى مقل صفاؤها من شعاع هذه الأيقونة الرهيبة.
قصر الحصن، كتاب محصن بكلمات نطقت بها شفاه عشاق هاموا بأشواق من كانت له الأرض سجادة والسماء شرشفا أشف من عيون الغزلان.. قصر الحصن القلب، والدرب، والخصب، والخضاب، والشهاب، قصر الحصن التاريخ الذي لم تمل فصوله عن الامتداد والمد والمدى، وهو انسكاب الفكرة عبر عِبرة وخبرة، وسبر ما جاش في الأفئدة من أحلام أصبحت اليوم واقعاً يتحدى عواتي الزمن ويظفر بالنجاح والفلاح ويسخو بكل نجابه بطاقته من أجل أن تفتح الأجيال عيوناً على الماضي، وتلوِّن به سبورة الحاضر ليظل المستقبل مرآة تشيع منها وجوه الذين أسسوا وبنوا وشيدوا وأعطوا الوطن، عصارة القلب ومداد الروح.
قصر الحصن، فضيلة الناس النبلاء وجزالة الأوفياء، وعندما تكون في حضرة هذا المعلم، يكون العَلَم تواقاً للرفرفة، مشتاقاً للعلو، عاشقاً للمجد والجد، والجديد، وقصر الحصن النبض الوفي، والحضن الذي رفع بالإرادة ظروفا ما كان لها أن تتكسَّر لولا وجود أحلام جاوزت حد التضاريس، فأعطت للزمان أجنحة ومنحت للمكان عيون الجوارح... قصر الحصن الدار والسوار، والإطار، والأطوار، وحلم يجدد نسله من أجل مكان يتسع بسعة عقول أهله، وفسيح أفئدتهم من أجل فرح لا ينضب معينه، وسعادة تورق أشجارها، بقوة الإرادة وصلابة العزيمة وجسارة القلوب، قصر الحصن، الشدو الموال، والأغنية المزدانة بكلمات التاريخ الرزين والبوح الأمين، والسرد الحصين.. قصر الحصن لون جدرانه من بياض القلوب فمنح التاريخ لغة تنصع حروفها، وترتفع الأركان بشيمة الذين جادوا وأجادوا وجودوا فجاد الزمان عليهم بسمو المقام والشأن الرفيع.