علي أبو الريش
في العيد يبدو وجه الشمس كطفلة في ثياب الفرح تغزل قماشة النهار بخيوط الحرير.. في العيد الليل يزهر بأضواء المصابيح وعيون النساء الناعسات الكواعب، يبدو الليل عباءة مزركشة يخرز اللقاءات الحميمية والأفئدة، حقول معشوشبة بنبضات وخفقات وابتسامات أشبه بالكريستال المعلق، في السماء، في سقف الأحلام.
في العيد يتذكر الصحابُ الصحابَ وتستدعي الذاكرة، من غادروا وغابوا تتجسد هالاتهم في الأمكنة والدمعات تمسح بقايا نظرات اشتاقت إلى الفراغات البعيدة.... في العيد تستدرج الرؤوس، الفكرة تبدو باهتة لكنها تسطو فجأة وتحتل مكاناً وستعافى القلوب وتبرز الوجوه التي فارقت كأنها نجوم تطل من خلف عباءة غيمة شفيفة.. في العيد تطلق الجياد صهيلها تنطلق إلى حيث يكون الأحبة وحيث تستقر الأشواق، عند النواصي البعيدة، عند الأزقة التي كانت الملتقى وكانت تحمل أوراق اللهفة.
في العيد يحل الأصدقاء الذين غابوا ضيوفاً محملين بذكريات قديمة قدم الوجود وينضوون إلى المجالس بوجوه ربما لم يغير الغياب ملامحها، ولم يعكر الفراق صفوها، وجوه تطلق العنان للفكرة كي تشذب أوراق الأيام لتبدو شجرة القلب يافعة تنافح الغيمة في علوها.
في العيد شوارع القلب تتخلى عن ضجيجها، وتهدأ قليلاً، تستريح استراحة محارب تفتش في الدفاتر القديمة في الأوراق.. في الكتب، في الأدراج، في الدهاليز المعتمة عن صوره، عن وجه، عن كائن كان في يوم من الأيام زهرة الحقل وينبوع ماء استقت منه أعشاب القلب، والآن يحضر بعد غياب، يحضر وفي معطفه ورقة بيضاء لم تسود بالحبر، هذه الورقة هي قلب الطفولة، هذه الورقة هي من فصول مضت ولم تزل ترعى حقول المعرفة.
في العيد تنام السواحل القيمة على وشوشة الموجة، تهدهد المحارات وتفتش عن أثر أقدام صغار كانوا هنا، لعبوا وعبثوا بالرمل ولهوا بالقواقع وتراكضوا في زحمة الفرح الطفولي.. في العيد تخطر على البال هفهفات الأثواب الشفيفة، ورائحة خبز الأمهات وأزيز الأراجيح وأغنيات تصدح بها شفاه الطفولة.. وكذلك حرائر الزمن الجميل.