علي أبو الريش
يرفض البعض أن يكون إنساناً، يرفض أن يحقق إنسانيته من خلافة تصالحه مع النفس.. ولا يقتنع أننا من أب واحد اسمه آدم، وآدم من تراب.. لذلك يتجاوز حدود آدميته، ويتجاوز حدود ترابه ليعيش في برج عاجي، هواؤه ملوّث بكربون الأفكار المغلقة، والعقول المهرطقة، والنفوس الممزقة، والمشاعر الغارقة في أتون عوادم وبواعث سامة.
نحن في الإمارات، آمنا بهذا العلم، كسارية تحمل وجداننا الملوّن بالحب إلى سامقات النجوم، وغزيرات الغيوم، نحن بألوان هذا العلم النبيل تتنوع ألوان الأفكار والثقافات في بلادنا، لذا لا نجد ما يرهق أنفسنا عندما نتعامل مع الآخر، بل إننا في حضرة الآخر، نرى العالم بقاراته وتضاريسه، وأنهاره وبحاره، وغاباته، وحقوله، متاعاً لنا وبهجة لأنفسنا نجد من خلال الآخر أنفسنا، فنتربع على عرش البهجة والسعادة لأن ما نكنه للآخر من حب نجده منعكساً على ضميره، متدفقاً من قلبه، يبادلنا الود بالود، والسد بالسد، ولا يبخل علينا كما لم نظن عليه، بغرض السلام والأمان في ربوعه وبين ضلوعه.. فالآخرون هم النعيم الذي من خلاله نقطف ثمرات العز، ولا صفة للإنسان خارج دائرة الإنسانية، لا حياة له من دون أن يقف كتفاً بكتف مع آخر، هو في النهاية، أحد أضلاع المثلث الجميل «الحب، التعلق، الحرية»، نحن جزء من هذا المثلث، ضلع فيه ومنه وإليه، وألوان علمنا الرقيقة الأنيقة، هي جزء من هذه المشاعر، من هذه الثقافة التي بناها رجال نبلاء، حين أبحروا وحين خبوا على ظهور النوق ضالعين في حب الصحراء كان السعي وراء موجة بيضاء ناصعة، لا تعج ولا تضج، كان السعي وراء مرعى ينعم بالعشب القشيب، كان السعي وراء حياة لا تنتهي عند نقطة واحدة أو محطة واحدة، مؤمنين أن الكون الإنساني واحد وأن محور الكون هو الإنسان، كما قال الفيلسوف الإغريقي بروتاغوراس «الإنسان مقياس كل شيء»، ومن يقف عند حدود نفسه، فإنه يلغي الكينونة، ولا يفيض إلا بنفسه، بأنانيته ونحن نحب أنفسنا بقدر ما نعشق ونتصل بالآخر لأننا الجزء المكمل لآخر لا تكتمل دائرته إلا بقطر العلاقة الإنسانية المتكافئة، نحن نحب أنفسنا بقدر ما ننفتح على الآخر ومنتجاته ومدخراته الثقافية التي هي ملك التاريخ الذي نحن أحد فصوله، وعنوان من عناوين كتبه العريقة، نحن نحب أنفسنا بقدر ما تحب الفراشات الورد وبقدر ما تعبق الوردة أرجاء الكون.. نحن نحب أنفسنا كما نحب الآخر لأنه الوريد الذي يروينا بدم الحياة.. والنمو.