علي ابو الريش
سحابة في السماء مثل شرشف قطني مبلل بالماء، والطير في الفضاء يغسل الجناحين بظل غيمة.. في خاطر الأرض يجيش حلم أبدي أن يأتي المطر، أن يخبرها كيف يكون للماء سحر حين ترقص السنابل وينشد العشب لحن الخلود.. تحت السحابة ندى فضي يطل على رموش الناظرات عن بُعد، وتطل فجوة في السماء تعلن عن عناق بين غيمتين قد يأتي بالمطر.. والطير ينشد يارب أنزل المطر وأغسل البحر بنثات تلون الزعانف، وتمسح عن عين السمكات غشاوة الملح، الطير يغني قائلاً، تبقى الأشجار وارفة في بلادي، والفضاء رحباً يملأ الوجدان، أحلى ما خطر على بال الوجود.
سحابة في السماء، مثل طبق طائر عملاق يجلل السماء بأحلام ما قبل المساء، وهذا زائر اسمه رعد وشقيقه برق يطرقان سجادة الفضاء، فيهدر الصوت معلناً عن مباغتة ترطب الوجنات ويسيل رضابها على شفتي زمن أصبح عشبياً رغم هجران المطر.
سحابة في السماء، ونظرة أشبه بالنداء، مطر.. مطر.. وحلم لا يغادر عقل البشر، حلم يخضر وجدانه، ساعة تمشي الغيمة في وديان السماء، مؤكدة أن في جوف الأحلام يكمن المطر وتنمو أعشاب القلب، ويصحو الفجر مشعشعاً كأنه المصابيح تكنس الزمان بنور وحبور وسرور وغرور الأشياء اليافعة.. في السماء تتدحرج غيمة وعلى كثيب الفضاء تبدو مستلقية مثل فراشة عبقرية تجدل ضفائر الزمن بخيوط ناصعة البياض، ويعلو صوت العصافير المزقزقة يعلو الفرح الأبدي، يعلو المكان بقدرة الرجال الأجلاء والأبطال النبلاء، وكل شيء يزخرف ملاءته بأحلام لا ينضب معينها، كل شيء يصدر طموحاته إلى طموحات أكبر، وينتج اللمعان من فيض الوجدان ومعاني المكان التي صارت تنحو بقيمها مثل أشجار النخيل وتثب مثل الخيل والنشيد الجميل.
إماراتي.. إماراتي.. والحب صحراوي إلى درجة النقاء، الحب إنساني إلى حد الوفاء.. في السماء حلم غيمة يكبر مثل أحلام الناس، والمطر لا محالة سوف يكون النبض الذي يحيي الوديان والرعيان، وتلمع في القلب نجمة تكبر ويكبر معها شريان ووريد، ولا شيء أروع من أن يكون الوطن أكثر سطوعاً من النجوم، وأكبر حجماً من القارات الخمس، وأكثر تجذراً من الصخور الرواسب.. سحابة في السماء وغزل رفيع ما بين الرمل والغيمة حتى يهطل المطر.. وتتفرع الأغصان ريانة بالحب، مزدانة بقدرة الله في عطائه.. ما أجمل هذا الوطن، ما أرشق غيمته وأناقة مطره.