علي أبو الريش
مثل جناح الطير، رأيته يرفرف عند رموش الصغار، كان يهتف باسم الحقيقة والوطن يقول للزمن: هنا دولة العز هنا أحلى لحن، هنا في التضاريس راية، وغاية، وأحلام، تزهر على رأس فنن، هنا الإمارات التي ما شابهها كائن يكن، هنا جيل من صلب أنجاب طوقوا الأعناق بأجمل الشجن.
مثل موجة وشوشت أسماع الصغار، فانبروا فراشات تاقت إلى العلا، وأزهرت قلوبهم بألوانه، وألحانه وأشجانه وزمانه النبيل، قالوا بصوت واحد، الله يا وطن، أنت المجال وأنت السؤال، وأنت المقال، وأنت الصوت واللحن، الله يا وطن، أنت الوسيلة والفضيلة وأنت المعاني والدلالات النبيلة.. أنت.. أنت الأغصان والجذور وأنت الشجرة الأصيلة.. الله يا وطن، في الأرض نخلة وفي السماء، نجمة مجلجلة، أنت.. أنت، القيمة والثيمة، وأنت منازل الأحبة، والشيم الكريمة، أنت الدهر والسهر، أنت الكِبرُ والصمت والجهر، أنت البحر المتألق بوشوشة الموجات، والأعماق والدرر، أنت الحلم يمشي جدولاً، في شرايين من مرّوا واستقروا في الوجدان وطوّروا، أنت الفكرة النابغة، والبلاغة والثمر، أنت الكلام، وخير الكلام وطن، أزهاره بشر، وأغصانه سواعد، ما مضها التعب، لأنك يا وطني، زيتون ورمان وعنب، وسجايا وثنايا وخصب، إن ضاقت الدنيا، فأنت الواسع الرحب، أنت ما جاش في الشعراء، وأنت الصحائف والكتب، أنت النهر الساقي، وأنت النثة الغراء، أنت السحب، أنت الفجر المتنفس عبقاً، أنت الصبح المنسكب، أنت سؤال العشاق عن قافية وأنت الوزن النقب، أنت السليل والسلسبيل، أنت النجب، وفي عيونهم أنت الصفاء والحدبُ، وأنت الشهب، أنت يا وطن النبلاء، وقادة الشرف الرفيع، أنت الصخب، وأنت النهار المتجلي، بإشراقة الوجوه، وأنت السحب، أنت الرواية والحكاية، والوقاية، والحماية والعناية والرعاية، أنت الحضن والحصن، وأنت الوريد والقلب.. في عيونهم سيدي الوطن، كنت في الصباح الباكر، تصحو وقلبك مداداً وسواراً، وأدواراً وأطواراً، كنت حقلاً وسهلاً، ونهلاً ينبع من أتون متون، وشجون، وشؤون، وحراك وسكون.
في عيونهم، كحلت الصباح، من مرور الأفراح، وأعلنت للكون أنك.. أنك لا قبلك ولا بعدك، وطن، يخيط قماشة الحب، من شرايين عشاق ما انفكوا، يغدقون القصيدة، عرفاناً وإيماناً، ويملؤون الوجود وعاء الوجود، زعفران القريحة، ويصدحون، كما هي البلابل عاشقة القمم الرفيعة.. في عيونهم، سكنت وبنيت معتركا ومكثت، ترفع النشيد لأجل الجَمال وحسن الخصال، لأجل فرسان عشقوا الثرى، فطالوا الثريا، وأثروا الحياة، بوجود جدِّ وجديد عطاء، لأن يبقى العلم، شامخاً راسخاً كما هي خيوط الشمس.