علي أبو الريش
في العراق وسوريا وليبيا، حضارات تحترق، قمصان ثقافية تتمزق تحت حجج واهية، ومبررات لا يقبل بها إلا من تلبسه شيطان التعنت والتزمت.. عندما تشاهد، معول رجل يحط رحاله على تمثال أثري ويهشمه كما تفعل الوحوش بالفرائس تشعر بالأسى، والفزع، تشعر أن عالماً جديداً يتشكل على أيدي أناس خاصموا الحضارة وتأزروا بعدوان بغيض لكل شيء يحمل إرث الذين بنوا وشيدوا وعمروا الأرض وأسسوا جدرانها العالية.
ما يفعله المتطرفون، إنما هو جريمة بحق الإنسانية وخطيئة كبرى لن يغسل ذنوبها الزمن، فالذي يدمر أثراَ حضارياً إنما هو يطفئ أنوار زمن ويدخل العالم في نفق أسود كسوار قلوب الذين يقتلون بدم بارد، ويدمرون من دون أن يرف لهم جفن.. فالقلب يحزن، والعين تدمع، والعقل يصاب بالشلل عندما يقترب من شاشة التلفاز ويرى هذه المهازل التي تهبط على صهوة التاريخ وتختزل دفاتره، ثم تحرقها ثم تقذف بها في سلة المهملات.. ما يجري على أيدي الجهلة، يؤكد أن هؤلاء لا ينطلقون من مبدأ قد يختلفون عليه مع الآخرين أو يتفقون وإنما هم يفعلون ذلك كما تفعل عصابات التدريب تدعمهم جهات بغيضة وكريهة تتأبط شراً ضد كل ما هو حضاري ويمس هذه المنطقة بالذات.. هذا السلوك الجهنمي، هذه الأحلام العدمية لا تأتي من أناس ينتمون إلى أي فكر سماوي، وإنما هي أحلام العبثيين والذين خانوا الله ونكثوا عهدهم بالحضارة الإنسانية.. هذه هي أخلاق المفسدين في الأرض، الذين لا يرون في الحضارة إلا كشفاً عن عوراتهم، وغبائهم وجهلهم، لذلك فهم يسومون الآثار الحضارية سوء العذاب، ويسقطون جل عقدهم التاريخية على التاريخ، ويهاجمون المقتنيات الأثرية بحقد لا يساويه إلا حقد أبي لهب وأبي جهل على الدين.. والإنسانية مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأن تحشد الجهود، وتعد العدة لمواجهة هذا الغث، والعبث، واجتثاثه من الوجود حتى لا يستمر التدمير وحتى لا يتطاول الجهلة على أكثر من ذلك، في حياة الناس، وحضارتهم.. الإنسانية مسؤولة اليوم عما يحدث، والصمت عن هذا الخراب جريمة لا تغتفر.