علي أبو الريش
سيدة ثمانينية من حرائر العراق، وقفت في الطريق العام صارخة في وجه الذين تسلحوا بالبغي والطغيان، قائلة «خافوا الله في هذا البلد، فأنتم تقتلون الأبرياء تحت ذرائع واهية» ثم مسحت الدمع بكف يدها، وأشاحت في وجوم، بينما كان المسلحون يضحكون غير مبالين بما جاش في قلب المرأة المسنة، وكان الواحد من هؤلاء يمسك بسلاح الموت، وزنده العريض يمشي عليه التيس، وكأنه تربى في حظيرة ماشية.
ما قالته المرأة العجوز، يقوله كل إنسان شريف عفيف، لأن ما يجري على أرض العراق، وكذلك سوريا، من قبيل العبث والعدمية، هو فعل الشيطان الذي أمر بتدمير الأوطان، واستخدام الدين مطية للوصول إلى أهداف عدوانية بغيضة، وتحقيق مآرب أخرى غير التي يهذي بها الإرهابيون، والذين جاؤوا من أصقاع العالم، ليحققوا أجندة جهنمية ضاعت على إثرها حقوق وأهدرت دماء وزهقت أرواح، وأتلفت موارد، ودمّر مستقبل ورمّلت نساء ويتّم أطفال وشرّد رجال.
ما قالته المرأة العجوز، تنطق به النجوم والكواكب، والأرض والسماء، والطير والشجر، لأن ما يجري في العراق وسوريا، شيء من الجحيم البشري يصب على رؤوس الأبرياء، فتنتهك الأعراض وتسلب النفوس، وتضيع الكرامة، وتبخس القيم الإنسانية، ولا يبقى على الأرض سوى وحوش تصارع وحوش وكل له مبرراته المخزية وكل مستعد لتدمير العالم من أجل معتقدات جاهلية لا تشبع إلا رغبات الذين دفعتهم الأمراض النفسية إلى تدمير المنجز الحضاري الإنساني بدم بارد وقلب لا ينبض بتأنيب.
ما قالته المرأة العجوز، له فيض من غيض وبعد أن فاض كيل الأحزان، والفقدان والخسارات الكبرى، تجرّعتها الشعوب جراء ما يفعله المجرمون المحترفون، وشذاذ الآفاق، والذين اختطفهم الجهل إلى مناطق سوداوية دامسة والذين باتوا يشكلون ورماً خبيثاً على العالم وواجب اجتثاثه، والتخلص من أدوائه.. ما قالته المرأة العجوز، هو آخر شهقة أسى تخرج من صدر إنسانة استندت إلى الدين الحقيقي لتبين للمنحرفين أن ما يفعلونه في حق الشعوب، هو ضد الدين وضد الأخلاق وضد الإنسانية.. ما يفعلونه إساءة إلى الحضارة والعقل البشري الذي أنجز مشروعاته العظيمة، بفعل السلام وليس بمنطق اللئام.