علي أبو الريش
هكذا تأتي دبي مشبعة ببلل الكتاب، وخصوبة الكلمة، وريعان الحلم، ونضوج المعنى، وانسكاب العبارة شلالاً وجدولاً، حيث حبر العالم ينهمر مطراً وخبراً، يعلن ميلاد كتاب بحجم مكتبة، ويفصح عن بزوغ مكتبة بمساحة محيط، ولأننا أمة الحضارة، كان لا بد من كتاب يحفظ ودنا وسدنا وسرنا وخبرنا وخبرتنا، لا بد من مكتبة تكون الموئل والمنهل، والمكحل، لا بد لنا من مكان يكون منطقة للتلاقي والتساقي وتحرير المآقي من سغب الجفاف والأيام العجاف، لا بد أن تكون دبي هي الوريد والعقد الفريد، تكون الشعر وبيت القصيد، تكون منطقة الحلم القادم من محيط القلب، ومن تحت أجفان البحر، ومن عند خاصرة الصحراء بجوار نخلة أنبتت عذوقاً، فكانت العناقيد شوقاً وألقاً للأرض ونسقاً، وإشعاعات النجوم التي تجلت ضياء، وتكللت وفاء للأرض للناس، لحضارة كانت المدار والمسار والأطوار، كانت السمة بالغة الحدة في تبديد الظلام والأوهام والأسقام.
مكتبة دبي الأكبر عربياً، إذ تبلغ استثماراتها مليار درهم، وتقع على مساحة مليون قدم مربعة وتضم 4,5 مليون كتاب.
من أجل المعرفة، من أجل كتاب يفتح صفحاته على الصباح، فإذا بالندى يغسل عيون الطير المسغب، وأوراق الشجر تلف لفيفها على دفء وكفاءة، من قالوا إن الصباح، الصفحة الأولى التي نقرأ فيها أغنيات الطير وأناشيد الأوراق المنسجمة مع النسيم ومواويل السواحل وتغاريد النوارس العاشقة.
مكتبة دبي، منطقة الاحتواء والانضواء والاكتواء بحرقة الكلمة اللذيذة وشغف الحروف المداهمة، مكتبة دبي، منطقة في القلب، نقطة في الروح، خريطة على أديم النفس، نحن العشاق، تدهشنا الكلمات عندما تكون شظايا، وعندما تكون النقاط على الحروف شامة على خد وجيد.. نحن العشاق تذهلنا هذه النخلة الوارفة، عندما تسمق بجمال ودلال وكمال واعتدال، والسؤال هو كيف لا تكون دبي كذلك، طالما غرفت من معين رؤية جللت المكان بأزهار النمو، وكللت الزمان بأنساق التطور، كيف تكون دبي كذلك، والحياة هنا تزخر بفراشات اللون المزدهر وأعشاب الأخضر الليلكي، كيف لا وها نحن نغادر المكان صباحاً، ونأتي في المساء، وقد نمت على سطح الأرض أشجار جديدة وأخبار جديدة، إذ لا بد وأن تكون المعرفة بحجم هذا الفضاء، ولا بد وأن يكون للكتاب بستان يرتع فيه كعصفور نشوان، أو كغزالة تتمشى على عشب حروفه من حبر الأفئدة، والأقلام هذي الرموش المظللة.
إذاً لا بد من المعرفة لأنها المساحة التي تنفتح فيها نوافذ الوعي، لأنها منازل اللقاء الحميم ما بين الإنسان والعالم وما بين الإنسان ونفسه.. فاعرف نفسك، تعرف الوجود من حولك، وما تقدمت أنيناً وما اكتسحت القرون الماضيات، إلا بالمعرفة ومن كان يقود معركته مع الوجود.. وشكراً لأرسطو الذي قال اعرف نفسك.. وشكراً لبروتا جوراس القائل: الجاهل عدو نفسه.. فاعرف نفسك بمجالسة خير جليس، واعرف العالم من حولك.