علي أبو الريش
العالم غرفة، إن أضأتها رأيت وجهك كما هو، وإن انطفأت أنوارها تاهت الصورة بين عينيك، ولم تر غير السواد الدامس، هذا ما يحصل الآن في العالم، فأما الإضاءة الكاشفة، لبعثرة السواد، وإجلاء الوهم، والهم وإزاحة النظرة الضيقة، والقضاء على النفوس الحانقة والمحتقنة.. أو القبول بالظلام، لتنتعش أسباب القتل والفتك، والجهل، والفقر، والفوارق الطائفية واللونية والعرقية.. ولا خيار أمام العالم إن أراد النجاة من نار داعش ومن والاها، ومن ساندها ودعمها وعزز خطاها، إلا أن يقف صفاً واحداً، مسنوداً بالوعي، والقناعة أن التاريخ البشري لا تقود عجلته الجياد الحمقى، والمصابة بجنون البقر.. لا خيار أمام العالم أجمع إلا رصف الطريق إلى الخلود وتحقيق الوجود من خلال ضرب أوكار الجهل والعصبية الجاهلية، في كل مكان، ومن تمييز أو مكاييل أو معايير إلا معيار واحد ألا وهو معيار الحق ومقياس الحقيقة.. لا خيار أمام العالم إلا تأثيث الوجدان الإنساني بالحب، وعقد صفقة أبدية مع العدل والمساواة، وعدم مغادرة العقل مهما بلغت الأحداث من جسامة، فالعقل ميزان واتزان، وديوان وأمان، واطمئنان، بل هو الإحسان الحقيقي الذي نعطيه للأجيال المقبلة.
لا خيار، ولا معيار ولا مسبار، سوى ذاك الكامن في الرأس، ذاك القديس الجميل النبيل الأصيل، الذي على العالم أجمع أن يحترمه ويقدره إن أراد أن يعيد للحياة أوتارها، المهشمة، وأضلاعها المحطمة، والخلاص من معضلة داعش، وغيرها من خفافيش الليل، ومن يسوم البشر بالأسى والويل.
لا خيار وقد فهم العالم، وهذا ما يجب أن يكون أن داعش وسواها ومن تبعها، لن تكون في يوم من الأيام إلا مثل انفلونزا الطيور أو البقر أو حتى إيبولا، فلا بد من المواجهة الصريحة والواضحة ولا بد من المقاومة بكل قوة وصرامة حتى لا يبكي العالم بعد ذلك على المصير المسلوب..
لا خيار، لأن سقوط أي دولة تحت سطوة وسلطة داعش يعني سقوط القيم الحضارية للإنسانية، وسقوط الضمير، وسقوط العقل في براثن الانحطاط والإحباط، والشطط والغلط واللغط، يعني سقوط الحلم البشري في جب الحقد والكراهية، سقوط الناس جميعاً في المجهول، وعندما نتحدث عن الناس جميعاً، فإننا نعني أن في عقيدة داعش، لن تشفع الطائفة ولا اللون ولا العرق، وحتى المسافات البعيدة التي تغرق بين مواقع داعش والآخرين، فهذا التنظيم يعيش عقدة الفناء الأبدي لكل البشر، ولكي تنتصر الحقيقة، لا بد من أن ينسى العالم، تكتلاته الضيقة ويرقى إلى حلف عالمي، يلم شتات الجميع في بوتقة الوحدة الكونية ضد داعش.