العمالة حاجة إنسانية ملحة

العمالة حاجة إنسانية ملحة

العمالة حاجة إنسانية ملحة

 صوت الإمارات -

العمالة حاجة إنسانية ملحة

علي أبو الريش

تعرف قيمة العامل أو الفني الآسيوي، عندما يتعطل عليك مكيف أو مولد كهرباء أو مضخة ماء أو حتى مصباح نور، وبخاصة إن حدث ذلك في ساعات خارج العمل اليومي، أو في ساعات الليل.. في هذه الظروف القاسية تبحث عن نفسك فلا تجدها، تبحث عن الأسئلة التي تطرحها يومياً، فيما لو استغنى الناس عن هذه الشريحة المقدسة.. فكل ما يمس شأن الحياة لدينا مرهون بأيدٍ سمراء ألفت التعب، وتمرّست على تقديم العون، حتى وإن كان ذلك مقابل أجر، فالأمر عندما يتعلق بمصير وبحياة لا تستقيم إلا بوجود ممتلكاتك الاستهلاكية، والتي يجب أن تعمل ليل نهار وبسلاسة، فإنك لا تتذكر ما ستقدمه من أجر، بقدر ما يحيي ضميرك تجاه، الأشياء الأساسية في حياتك.. أعتقد أنني أنا وسواي لا ينبغي أن نخاطر بالبوح عن سيئات العمالة الآسيوية، إلا إذا شعرنا بأننا نستطيع أن نقوم بما يقومون به، وهذا لن يحدث الآن، ولا أعتقد في المستقبل القريب، لأننا لا نجيد العلاقة مع أشيائنا الاستهلاكية، إلا بمستوى إدارة المفاتيح، فتحاً وقفلاً، وما عدا ذلك، يظل مجهولاً في أحشاء لك الأجهزة السحرية إلى أن يأتي الفني الآسيوي، متأبطاً حقيبته المعدنية، ويفتح بابها الصغير ثم يبدأ في فحص المريض الذي بين يديه، وبعد حين من الزمن، وبعد أن يتصبب العرق من جبينه الأسمر، يفرج عن ابتسامة انتصار قائلاً: «أرباب كل شيء أوكيه» وأنت تفتح فاها، وتبحلق عينيك، فرحاً بالإنجاز الذي قام به غيرك، وما عليك إلا أن تفتح محفظة الدراهم، وتعطيه أجره.
 
وهكذا تمضي الحياة، وأنت تبحلق العينين فقط، وغيرك يفك البراغي والمسامير، ثم يعيد كل شيء إلى مكانه، وأنت وكأنك لم تك موجوداً ساعة الفك والربط، لأنك لا تملك قدرة الإبداع السحري، وما جادت به قريحة هذا الكائن الضئيل، الأسمر النحيل، المنهك من شديد ما يفتح ويغلق، ويفك ويربط، وأنك لا تدري مقدار الصفقة الذهنية التي عقدها هذا الإنسان، مع الآلة التي بين يديه، لأنها عقد ذكاء وحاجة وإيمان، بأن الحياة لا تستمر دوماً بالاتكالية والاعتماد على الآخر، من دون دفع ثمن.. وثمن غال أحياناً.

إذن فنحن نحتاج إليهم ليعينونا على استمرار ضوء المصباح، منيراً يتلألأ في غرف جلوسنا ونومنا، نحتاج إليهم، لأنهم يسطرون لنا معالم طريق لولا أصابعهم السمراء، وأظافرهم الملتاثة بالأسود اللزج، لما تلألأت عيون نسائنا، ببريق أحمر الشفاه على الأفواه، مثل قوس قزح.. لولاهم لما عرفنا كيف نستدل على شلال الصنابير، المكترثة بالضخ النازل من علو شاهق إلى حضيض الأجساد.. إذن نحن بحاجة إلى عيونهم الفاحصة المتمحصة في شرايين الأجهزة الإلكترونية، وعروق أجهزة التكييف، متابعين عن كثب ماذا يجري، في أجواف تلك المعضلة.. نحن بحاجة إليهم لأننا اكتفينا فقط، باستخدام الهاتف، ومناداة صاحب الشأن، كما يأتي مسرعاً، لإصلاح هذا الجهاز أو ذاك.. اكتفينا فقط، بإعدام الثقة في أنفسنا، والأخذ من الحياة من دون أن تعطيها، وهي كذلك تأبى إلا أن تدحرجنا على جليد برود الهمة.

إذن فهؤلاء، بالنسبة لنا حاجة إنسانية، حتى إشعار آخر، وحتى نعلم كيف نغمس أظافرنا في اللزوجة السوداء من دون حرج.
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العمالة حاجة إنسانية ملحة العمالة حاجة إنسانية ملحة



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates