علي ابو الريش
حُلُم.. صرت علماً، كجناح الطير، صرت قلماً ينسج خيوط الكلمات على صفحات الوجود، ويجود بحبر وخبر، يجود بما جادت به السحابات والنهر، ويسود في الوجدان كأنه والدم سيان.
حُلُم.. وطن مثل نخلة اشتاقت إلى السماء، فأرسلت غصناً رفرف في العلو الشاهق، وكانت الغيمة شفة البلل والأدواء، كانت النجمة مقلة النور والأغواء، هناك.. هناك، علا النشيد الكوني واحتدم القصيد، كان الوعد والعهد، والسعد والمهد والنهد، والحد والسد، والمد والمدد.. والبعد والأمد والأبد، كان وكان الوطن الكثيب والوجيب، والحبيب والرقيب واللبيب والقريب، كان الوطن، المنطقة الواصلة المتصلة ما بين الحاجب والحاجب، وما بين الرمش والرمش، وما بين الشريان والوريد، كان في الزمان العدل والجزل، والبذل، يخطو خطواته على قماشة القلب فيلون الأثر، بمآثر ومخابر، ويصيغ لوحة الحياة بريشة الذين يزخرفون الحياة، من لون الوجدان والأشجان، حلم.. لك في الوطن أنامل، والعيون محابر، والقلوب صفحات والأرواح شراشف، وأنت يا وطن، حلمك الذي صار جبلاً على قمته يرسخ العلم، والساريات سواعد، وأعناق.
يا قلبي لا تحزن، فليس الشهيد إلا نافذة الأمل، وشعاع المقل، هو في المبتدأ والخبر، رسالة الأرض إلى السماء، هو في الحقيقة أول الابتداء، في حرف الضاد وحروف الهجاء، هو الكف التي كفت أذى، وصد رذيله، وردت حنق وحقد هو في الأصل أصل الفضيلة.
حلم.. يبقى في القلب سؤال، هو أنك يا شهيد، أججت المقال، وألقمته خبراً من دمك، وأهديته روحاً من روحك، أنت وحدك الذي رتلت آيات الجمل، وتلوت المغزى والمعنى، وحقنت الدلالة بمصل الكائنات الأسطورية، وعبقرية البقاء، أنت وحدك، هكذا أنجزت مشروع وطن وكتبت على جدار الزمن، مرسوماً وطنياً، يؤكد من جديد أن الإمارات قيادة وشعباً، من نسل صحراء، لا تأبه لومة لائم في اجتثاث الكره، والقصاص من مكابر ومتجبر، الإمارات في الصحراء، نخلة وارفة، عذوقها أجيال تنجب أجيالاً، وجذرها مؤسس يخلد الوطن، بخلوده، وترتفع هامته بارتفاع قامة الشهم القويم، المقيم دوماً في الوجدان الإنساني لأنه الإنسان الذي صنع من الأخلاق، ما يسقي الأرواح، من عذب القيم والشيم والنعم.
حلم.. هكذا أنت والوطن، رافدان من نهر الصحراء، ومن سقياكم ترتوي أشجار الروح، ويخضر عشب القلب، وتزهر حقول الزمن، وغزلان المكان في باحة الكون ترتع من نعيم الذين أنعموا، وأجزلوا في العطاء والفداء والسخاء والوفاء والانتماء إلى وطن الأوفياء.