علي أبو الريش
أي انفتاح صوب الآخر، هو غيمة تنث العذوبة على خصلات العشب فتزيدها اخضراراً.. أي اتجاه يقودك إلى الآخر هو موجة تغسل سواحل القلب من الشوائب.. أي عمل عربي يخدم مصالح الكل، هو خطوة باتجاه قمة الجبل.. هكذا تبدو الأمور دوماً، وهكذا نحسبها ونفرح عندما نجد أنفسنا في وسط المحيط قارباً بشراع أبيض، وهكذا يلتفت إلينا العالم عندما نكون كتاباً يضم رواية التاريخ من غير تزوير، ولا تسويف ولا تخريف ولا ريبة ولا نميمة.
يقرأ الآخر كتابنا من دون توجس أو تقطيبة حاجب.. عندما نكون مثل الوردة تقدم عطرها للآخر من دون قيد أو شرط، وتمييز بين عرق أو لون أو دين، نجد الآخر يقدم إلينا لاهثاً، لأنه على يقين من أن هذه الأمة، مخزون ثقافي واقتصادي هائل، هذه ممتلئة بالطاقة الإيجابية وقادرة بكفاءة عالية على إثراء الكون بعطائها إنْ تخلصت من أذيال التزييف وصدأ المراحل المبتورة.. عندما نكون في وعينا، ونتخلى عن أوهام ماضٍ تالف، يلتفت إلينا العالم بقوة، وينظر إلينا بعمق ويستمع إلى صوتنا بإرهاف ومن دون استخفاف.
إذاً لابد وأن تفتح التضاريس نوافذها ليدخل الهواء النقي، ولابد أن تعبر سفن ثقافتنا إلى وراء المحيطات لنرى ما يجري هناك، ولتستوعب تلك السواحل مقدار ما تحمله من أوزان ثقافية ثقيلة.. لابد وأن يعرف العالم أن العرب إذا اجتمعوا على كلمة سواء، فإن الكائنات الكبيرة والصغيرة تقف لهم إجلالاً واحتراماً.. فقط لأنهم عرب وللعرب إرث تاريخي لا يمكن أن يمحى من ذاكرة العالم، إلا إذا أقفل العرب الصندوق، وأشاحوا في وجوم، والتفتوا إلى هوامش الأحداث وتركوا الميدان مفتوحاً لأكلة الجيف وقطاع الطرق والمرتزقة والمهووسين بإمبراطوريات وهمية، ومعتقدات لا تخرج عن تهويمات «زرادشت» واستدعاءاته الخيالية الفجة.
العرب -لو اجتمعوا- قادرون على تغيير مفاهيم كثيرة، قادرون على تشكيل خارطة عالمية جديدة ومثالنا هو التحالف العربي ضد اللعبة الشيطانية.. ففي اليمن، استطاع العرب أن يحطموا مساحة واسعة من أجندة إيرانية كان بوسعها أن تتمدد وتتسيد، لولا التصدي البطولي للإمارات والسعودية، ولولا الحكمة لدى القيادتين.
إذاً هذا مثال واضح وصريح يحتاج إلى توسيع الرقعة، وإلى تكريس منهج واقعي يخص كل العرب، وليس جزءاً منهم، لأن الآخر لا ينظر إلينا كأقطار، وإنما لعالم عربي واحد بلغته ودينه وتاريخه ومنجزاته الحضارية ومآثره الثقافية.. فالعالم لن ينسى ابن رشد، ولا ابن طفيل، ولا عمر بن الفارض.. ولا الغزالي، وسلسلة تطول وتطول بمسافة التاريخ العربي، العالم لن ينسى عمر المختار ولا جميلة بوحيرد، وقبلهما قادة وفلاسفة وعلماء ومفكرون وشعراء وأدباء.. هؤلاء هم ذخيرة هذا الوطن العربي، وليس من «تطوف» وتعجرف وتعسف وخسف ونسف.