علي أبو الريش
الإنسان وحده سيد الطبيعة وهو مقياس كل، وهو الذراع التي تبني والعقل الذي يبتكر..
في الإمارات كان النفط الوقود الذي حفز آلة العقل لكي تتحرك باتجاه المستقبل، وتعمل على إدارة المنجز الحضاري بوعي ويقظة.. في البدء كان البحر وكانت زوارقه تحفر الأعماق بجدارة الرجال العصاميين، وكذلك كانت الصحراء التي ألهمت الإنسان كيف ينحت في الصخر، وكيف يرسم صورة المستقبل على كثيب خضيب.
. ولما قفز النفط مثل غزال يخب في غابة الكثافة، بدأ الإنسان ينفض يديه ليمسك بتلابيب العجلة الجديدة، عجلة النفط، ولكن عينه كانت على ذاك الكامن، على العقل المدبر المسير، المجير للأشياء لصالحه وصالح مستقبله.
في القرن الحادي والعشرين الإمارات تسبق غيرها وتسابق الزمن في اللحاق بالقطار، وقد تسبقه لأن في الإمارات أجنحة الطير، وإرادة الصحراء وطاقة البحر وشموخ الجبل.. اليوم الابتكار يبتكر، وتسخر الإمكانات البشرية لتطويع الطبيعة وإجبارها وترويضها كي تصبح جواداً نبيلاً يخدم صاحبه، ويحقق المراد في زمن لا تصطاد فيه الحقيقة إلا بالعقل الواعي والفكر المستنير والإرادة القوية والعزيمة الصلبة والروح الصافية من براثن الخوف والتردد والكسل والتواكل.
في الإمارات يثب الجواد عبر العوائق كأنه عقرب الساعة، متوخياً الحذر من بقايا أزمنة قد تغط أو تنط أو تشط أو تحط.. اليوم زورق الإمارات يمضي بالحقب الزمنية مرتاداً الموانئ والمراسي بحصافة الأوفياء وفصاحة النبلاء، وطاقة النجباء، هؤلاء هم الذين يضعون المستقبل عند سارية القلب ويقطفون اللحظات كأنها حبات الرطب الجني وعيونهم معلقة في الأفق، هناك عند البعيد من الأيام، ولا يحسبون للتراجع مكاناً لأنهم مؤمنون بأن الحقيقة أن يعيش الإنسان واقعه بثقة وثبات، ولا حياة للضعفاء، لا مكان للمرتجفين والخائفين.. الإمارات بهذا المعنى تؤكد أن لا عذر لمن يتخلف ولا أرض لمن لا يحترم طاقات من جاء من ترائبها..
لإنسان وحده خليفة الله في أرضه، وكل الإمكانات في هذا الوجود مسخرة لأجله إنْ أجاد استخدامها، وإنْ نجح في استثمارها، وليس بالنفط وحده يعيش الإنسان وإنما بالإرادة والعقل السليم والفكر القويم، والنور الروحي الذي يقوده لأن يعمل ويجد ويبتكر ويخترع ويبدع في ترويض العقبات والكبوات والعثرات والثغرات والشذرات والنكبات، الإنسان سيد كونه ورباط نفسه إنْ تجشم خيراً في الحياة وتفاءل، سقطت كل الأوهام، واستطاع أن يظفر بالخير والنعيم.. الإنسان قوة لا تقهر إذا تخلص من نقماء إحباطه ويأسه وبؤسه، ونفر نفرة المقاتل في ساحة الوغى.