علي ابو الريش
لن يسلم أحد من الإرهاب، حتى الممالقون والممولون والمداهنون والمخاتلون والمنافقون، لأنه كائن بلا وطن ولا هوية ولا دين، الإرهاب شيطان لعين، هدفه العدمية، ومسعاه تدمير الحضارة الإنسانية، وما نشاهده من اعتداءات على المآثر والآثار الحضارية والتاريخية في العراق وسوريا وليبيا، يدل على أن هذا السرطان ليس له رؤية ولا رأي، ولا صديق، لأنه مبني على فكر هدام، تدفعه قوى بغيضة لا تريد لهذا العالم طمأنينة ولا سكينة بل تريد أن تصبح الكرة الأرضية كتلة نارية، مطبها أجساد البشر، ووقودها دماء الأبرياء، ولهيبها هذا الحقد المستطير، فلا وقت للمترددين، ولا وقت للمتفرجين، فقد حانت ساعة الصفر، وعلى العالم أجمع أن يلملم شتاته، وأن يصوب البندقية باتجاه من أشعلوا النيران وملأوا الأوطان بالأحزان، وأشاعوا الأمراض والأدران، وسكبوا على القلوب غازات السم والسقم والهم والغم، العالم مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يتناسى الأجندات الخفية، وأن يتجاوز الخلافات السياسية، وأن يحيد عن التعنت والتزمت وحب الذات، والاتجاه صوب الحدث الجلل.
ما حدث في تركيا من مجزرة مروعة يكشف عن السر الكامن وراء الإرهاب ويؤكد أن المقصود ليس الديمقراطية المدعاة، ولا الحرية المفتراة، ولا دولة عربية أو أعجمية، بل المقصود هو العالم، والمطلوب هو عنق الحياة في كل بلد من بلدان العالم، وفي تعدد فيه القراءات والتأويلات والتفسيرات لا ينبغي أن تترك الأمور للمتشنجين والمتعصبين بأن يحولوا الصراع ما بين دول وأخرى، بل إنه صراع بين العالم والشر، صراع بين الحقيقة والوهم، صراع بين العلم والجهل، صراع لن يطوى سجادته ويرحل ما لم يع أننا أمام صراع وجودي، وواجب كل واحد منا أفراداً ومجتمعات، أن نقف كتفاً بكتف، وأن نواجه الإرهاب بيد رجل واحد، ونعيد تلوين السجادة العالمية بألوان الحب والتآلف والتكاتف، لأن الحضارة لا تبنى إلا بحبر السلام ودم الوئام وماء الانسجام، وما عدا ذلك فهو إلا مصارعة طواحين الهواء، درس تركيا يؤكد أن الإرهاب لا صديق ولا حبيب له، وأن الإرهاب وحشي لابد من الخلاص منه، ليسلم الحقل الإنساني من إراقة دماء الأبرياء.