علي أبو الريش
الأبيض.. الأبيض يروض الجبال السمر ليكسو وطن الغيمات الممطرة بالبلل النبيل ويهدي الشفاه رضاب السماوات الجليلة.. هنا في مناطق عند القلب في رفيف الروح، جاء الناصع بالبريق.. واقتعر قامته عند الشاهقات الشم، رسم لوحته الرائعة والناس من كل حدب وصوب يرتوون ويرتشفون ويحذفون لظى الحرقات الصيفية، في قاع سحيق وتتمدد أرواحهم مثل أجنحة الطير تتسع حدقاتهم مثل عيون الغزلان والجفون ظلال الأوراق المبتلة من ماء وسناء.
الأبيض.. الأبيض يختفي في معاطف الجبال نقوشاً ونياشين ويطوي دفاتر الصخور والسفوح بعباءة الفرح، يغسل أوراق الشجر من ريق السحابات الخيرة، والأطفال عصافير رفعت الزغاريد صوتاً ربانياً نقياً، صفياً، عفيا، سخياً، ثرياً بالعفوية، غنياً بالسعادة، في بلد السعادة والبوح الوفي.. هنا في قامة المكان المبجل جاء الزائر خفيف الظل وتمشى الخيلاء عند السفوح والوديان، هطل مثلما تهطل النجوم ببريق الصبا، هتف مثلما تهتف رائعات الصحارى، عندما تنتشي فرحاً بأوراق الينوع واليفوع، هنا الأشياء تبدو في التحلي مثل أحلام الصباح، متشرقة مع الشمس، متألقة مع خيوط الذهب والليلك. هنا في الإمارات الأشياء تلون عيون العشاق بالحب وتثري الوجنات بحمرة الأزهار البرية، هنا في الإمارات الحب بحجم الجبال ونصوع الثلج ودفء الصحراء النجيبة، الناس يرفعون الأيدي ضارعين، خاشعين، صاغرين، داعين المولى عز وجل أن يحفظ بلادنا ويسدد خطى قيادتها في كل ما يأتي بالخير للأهل والناس أجمعين.
الأبيض.. الأبيض، عاشق التراب، يطل من نافذة الغيمة ويفرد أشرعته، بيضاء، ناصعة من غير سوء، ويجلل الأفئدة بأنفاس مثل رحيق النخلة المباركة، يهفهف ويرفرف ويكفكف ويطرف ويعزف ويهتف وينزف ويغرف ويسرف في عطائه والعشاق يقولون: هل من مزيد؟ لأن في حب الوطن يبدو البياض شرشف الأيام الحالمة، ومكانا في القلب، يرنو دائماً إلى السماء إلى العلو، إلى الفضاءات الوسيعة، إلى كل ما يقود إلى الاستثناء والعلاقة الوطيدة مع الخلق والخالق.
الأبيض.. الأبيض، قصيدة نثرت جملها على صفحات الجبال، والقراء هم أولئك الذين سكنتهم وحشة الفراق، كلما غاب المطر، وصار الشجر حطب الصحراء، حتى اشتكت الجبال من عتب لا من غضب.
الأبيض.. الأبيض، ملاءة نسجت خيوطها من حرير النث ومن رضاب الغيمة ومن عرق النجمة ومن نغمة الوجد والوجدان حين تكون النعمة من ضراعة الإنسان وأدعيته المقبولة.