علي أبو الريش
«إذا أخذ أحد قميصك فاعطه معطفك» قول في الحكمة، وبوح من ضمير كوني لا يضن على الآخر بحب ولا يبخل بتعاطف هذه هي روح الإنسانية التي تتجلى في حكمة من بايعوا الله على ألا يكونوا إلا جزءاً من وحدة هذا الوجود وشيئاً مهماً من أشيائه الثمينة.. عندما يتخلى الإنسان عن قبضة الأنانية، ويستقل من عبودية «الأنا» يستطيع أن يكون هو الذي يتفانى ويثابر من أجل إسعاد البشرية، وإدخال السرور في قلب كل إنسان.
إيجابية الإنسان تكمن في تحرره من التعنت، واعتماده الإيثار من أجل الآخر هو جزء من هذا الكون الفسيح الكون الجميل، الكون الأكبر الذي هو سقف الأرض، ومحيطها الواسع.. فلا تشتعل الضغائن، ولا تلتهب الأحقاد، ولا ترتفع رؤوس الشر، إلا عندما يتصور الإنسان نفسه أنه محور الكون وجوهره وما الآخرون إلا ذرات غبار تحت عجلات مركبته الفضائية.. الوعي وحده الذي يخرج من ظلمات الأنا المتورمة إلى نور الانفتاح والانشراح، والتوسع ضمن دائرة الحب الكبير.. الحب من غير شروط، الحب من أجل الحب، كما تفعل الوردة حين تطوق الأرض بفوح عطرها من دون تمييز بين الكائنات ولا تفريق بين الأحياء.. فعندما نحب الآخر فإننا نضع حبات السكر في فنجان الحياة فتصبح عذبة شهية ترسم على الوجوه، ابتسامة النشوء والارتقاء وترتقي بنا نحو آفاق مشرقة متألقة متناسقة واثقة بقيمة الحياة ومعانيها الجميلة، والجليلة..
نعطي الآخر ما نملك من دون شروط تعطينا الحياة، السلام والثقة بالنفس، والوجود الكامل من غير نقصان ولا أشجان ولا أحزان ولا أدران.. الحب وحده القاسم المشترك بين الكائنات، وما عداه، صناعة بشرية بائرة خائرة لا محالة.