علي أبو الريش
قالها الطفل أيلان، لقد انتهت الحفلة التنكرية لحقوق الإنسان، وفضح بكفه الصغيرة الادعاء البشري والحضارة، والفكر الإنساني، معلناً أنه يغادر الدنيا مسنداً رأسه إلى يده الصغيرة، فوق الرمال الباردة، صارخاً بصوت وئيد، أيها العالم، ما أحقرك، لقد ادعيت الحضارة، وأنت ما زلت تغط خلف ظلام غابة موحشة، وكل مبادئك أصبحت هباء منثوراً، لأن الإنسان السوري لم يزل يعيش أقسى حالات التشرد والذعر والرعب، وقد فقد أبسط أشكال الحياة، بعد أن لفظته بلاده، وتنكر له العالم، وأصبح قشة يابسة، تعيث بها فساداً أمواج البحر المتوسط، وتستقبلها السواحل الباردة، برمل أصبح فراشه، وعراء يلحف وجه المتعب.
أيلان، غادر الحياة، وفي قلبه الصغير حسرة الفقدان، وحشرجة الأنفاس الأخيرة التي قضت تحت وطأة ملح الماء، ونتانة الحضارة، والتهريج البشري، والافتراء على الإنسان عندما يصير فراشة مذعورة، تطاردها أنياب الخوف والخسارات الكبرى.
أيلان الصغير، ترك لعبته تتقاذفها أمواج البحر، ترك أمنياته الصغيرة، ترك ابتسامة طفولته، في كنف وجود اكفهرت جهاته، وصار واقعه جحيماً، يبخس حق الإنسان في أبسط معاني العيش والكرامة.
أيلان الصغير، غادر الدنيا قبل أن يخلع حذاءه، لأن القهر البشري لم يدع له يداً تفك خيطي الحذاءين، لأن موجة الغدر كانت أسرع من يديه، فانتزعت روحه الزكية قبل أن يفكر فيما يضم قدميه الصغيرتين، رحل أيلان والعالم لم يزل يفكر كيف يواجه أزمة اللاجئين، وكيف يحمي نفسه من التدفق الهائل الذي أضحى قلقاً يؤرق حال «المتحضرين».. رحل أيلان ولم يبق من الزمن ما يدع مجالاً للتفكير، لأن أيلان وسواه من أبرياء سوريا، قضوا وانتقلوا إلى الدار الآخرة، محملين برسائل تدين الضمير العالمي، وتكشف عن أعظم فضيحة إنسانية تمر بها الحضارة، وهذه الحضارة نفسها التي وضعت القوانين والأسس لحقوق الإنسان نجدها اليوم، تتبرأ من قوانينها وتخلع نعليها، وتذهب حافية الضمير، باحثة عن ملاجئ تدفن فيها عارها وخزيها، أمام هذا المشهد الإنساني المريع.