علي ابو الريش
عندما تخرج أمّ من تحت خيمة حزنها، وتقف بشجاعة الصابرات الخاشعات الضارعات أمام ولي الأمر قائلة: ابني ليس أغلى من الوطن، فهذا الكلام في حد ذاته يشكل أسطورة الخلود والتجلد والوثوق بقيمة الوطن، بما يعنيه من فضاء سماوي، يحمي مشاعرنا ويرعى إحساسنا، ويجعلنا دوماً في حضرة الدفء والحنان، فلا نحس بالوحدة، ولا بالفقدان، لأن الوطن أعطانا ما يفوق التصور، وما يجعل الوجدان بستان زيتون وتين ورمان.
هؤلاء الأمهات ضربن المثل في الصبر وقوة البأس، ولذلك لا نستغرب أبداً، أن تمنحنا هؤلاء النساء، رجالاً جلاميد، صناديد تشيخ الجبال لصمودهم وإصرارهم على النصر أو الشهادة.. هؤلاء النساء هن من علّمننا الدرس، وأعطيننا حصة وافية في مواجهة الأحداث الجسام، بعزم وشكيمة، وشيمة النبلاء، ومن تضع الوطن فوق كل المشاعر الأمومية، وتهب ابنها فداء لهذا الوطن، فإن مثل هؤلاء الأمهات تستحق رسماً في القلب، ووشماً على الجبين، لأنهن كتبن في الذاكرة الإماراتية، عبارات جديدة، وسطرن حروفاً بانت كأشعة الشمس ووميض النجوم وغزل الحرير.
هؤلاء الأمهات هن الباقيات الصالحات في زماننا، هنا، الماء والبَرَدْ، نزل على قلوبنا، وجعلننا نسير في الطرقات رافعين الرؤوس، شامخين، راسخين، مشبعين بحلم الرواية الأولى، أن الوطن أغلى من كل شيء وما الأرواح إلا طيور ترفرف على أشجار الوطن، لتجعلها وارفة خضراء يانعة باسقة سامقة.
هؤلاء الأمهات، رويننا عذوبة الانتماء، ومنحننا نصوع الولاء، عندما سمقن كأنهن النخيل اليافعات، وبسقن كأنهن أغصان «الغاف» متناسقات على ربوة القلب.. هؤلاء الأمهات هن بحق مصانع الرجال ومنجب الأبطال ومواقع الثمرات الطوال.
هؤلاء الأمهات قلن للوطن، نحن لها، والنصر قريب، وشهداؤنا بدمائهم صنعوا المجد، ووصفوا حداً للتوسع العدواني، وغطرسة أصحاب الأجندات المتغطرسة، والنوايا الشريرة، والذاكرة الصدئة، والأحلام. الهستيرية والأفكار العصابية.
هؤلاء الأمهات، مجدنا ووجدنا وحِبرنا ووجودنا.