علي أبو الريش
اليمن الذي صار مهد المحن، من زمن إلى زمن، والأعناق فيه ترتهن لمن شق الصفوف ولم يذعن لا لوطن ولا لمواطن ولا لماضٍ تليد ولا لأمن، فالوضع محتقن، والمستقبل تقوده جياد مطلعها ظلام دامس. اليمن الذي كان، يكون اليوم مثل قصاصات ورق، يقذف بها طلاب فاشلون في فضاءات اللهو، اليمن الذي صار مثل غيمة شاردة، تطاردها عاصفة محتدة، ممتدة حتى نخاع العظم.. اليمن الذي خلع ملابس الأمل، وسار في دروب قاحلة، موحلة مزلزلة، مقلقة مجلجلة، مكللة بنواميس الذين عشقوا الطافية، فركبوا موجة عارمة، الذين غاصوا في أتون القبلية، فامتطوا ناقة متأزمة، والأوضاع متفاقمة، متعاظمة في البلوى والشكوى والنجوى، ولا مغيث، اليمن الذي نسي التاريخ في حقيبة مدرسية مهترئة، ووضع الجغرافيا عند وادٍ سحيق ليس ذا زرع، وحمل المواطن على ظهر ناقة عرجاء جرباء، تغشيها غاشية الصارخين، يا الله، متى يعود اليمن لليمنيين، وينقشع الغيم، ويرتفع الضيم، ويخرج لنا رجل عاقل رشيد يضع الموازين على الخط المستقيم.
اليمن.. الصرخة التي دوت فهوت، فاستوت على الجودي، واليوم لا أحد، لا أحد له لزوم، لأن الطاقة مبددة، والأحوال مقددة، والمعضلات متمددة على أرض اشتعلت فيها الهموم، مثلما تشتعل النيازك عند خاصرة النجوم.. اليمن، ما عاد يستذكر، عبدالله البردوني، ولا عبدالعزيز المقالح، ولا محمد مرشد ناجي، ولا فيصل العلوي.. اليمن ما عاد يرفع نشيد صنعاء الأبية، ولا عدن التي كانت وكانت وأصبحت اليوم مرتعاً للإرهاب ومكاناً لاغتصاب الحقيقة.
اليمن، اليوم في قبضة الحوثيين، وتحت جنح القاعدة، وما بين هؤلاء وأولئك أسئلة بحجم تاريخ اليمن، وشعلتها التي انطفأت وأصبحت كعصف مأكول.
اليمن، أصبح اليوم كمن ينحت تمثالاً في الرمل، بجوار بحر هائج، فلا هو راسخ ولا هو شامخ، أما الديموقراطية الموعودة، فصارت هباء منثورا، لأن الذين وعدوا كانوا أصغر بكثير من حجم اليمن، وأقل بكثير من تاريخه، فباءت الصيحات بالفشل، اليمن، سار في درب النوايا الحسنة في البدء، وبعدها عبّد الوصوليون طريقه إلى جهنم.. اليمن.. يجب ألا يكون إلا لليمنيين، أما من ولى وجهه باتجاه الأجندات المهمشة، فإنه مثل مَنْ يشعل الحريق، ثم يهم لإطفائه.. يحرق ويحترق، وكل ما نخشاه على اليمن، هو حريق الحاقدين.. والطائفيين.