علي ابو الريش
الآن سيعرف أصحاب الثمانية والاثني عشر سلندر قيمة «الكامري» وهي تختال ضاحكة في الشوارع مبتهجة مثل غزالة في عمر التحديد في غابة ملأى بالعشب القشيب.. الآن سيعض البعض الذي اقترض من البنك الآلاف من أجل الكشخة، والاسترخاء على الكراسي المتحركة أوتوماتيكياً، وكأنه يمتطي حبال أرجوحة أسطورية جاءت من الأبد وإلى الأبد، بنان الندم.
شكراً «للرفع» لأنه أبهج مشاعر أصحاب السيارات ذات الأربعة سلندر، وأحسسهم بقيمة الحياة من دون قلق أو رعب من محطات البنزين، خاصة عندما يرون عقارب ساعة «الروزنة» تشير إلى خواء جوف خزان الوقود.
شكراً للقرارات والقوانين التي تفرمل الطيش والشطط، وتحد من الاستهلاك الذي لا مبرر له سوى المظهر الخارجي، شكراً للذين أيدوا قرار رفع الأسعار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهم كثر، وكثر الله خيرهم، لأنهم فضلوا مصلحة البلد على المصالح الشخصية والمظاهر السطحية.. وكم نحن بحاجة إلى قرارات في مناطق كثيرة من حياتنا من أجل تهدئة النفوس، ولجم النظرات الأبعد من تضاريس إمكاناتنا المادية والمعنوية، كم نحن بحاجة إلى مثل هذه القرارات التي تضع حداً فاصلاً ما بين فضيلة الاستهلاك ورذيلة الاندفاع، بشكل جنوني وراء ألوان براقة لا قيمة لها في الواقع. كم نحن بحاجة إلى قرارات توعية للشباب بالذات واستدعاء التاريخ والصور الماضوية لآباء وأجداد نحتوا في الصخر من أجل لقمة العيش، ومن أجل البقاء، ومن أجل بناء حضارة الإنتاج وتأكيد الوجود، كم نحن بحاجة إلى قرارات حازمة تحسم الأمور ولا تلتفت إلى القيل والقال، فليس كل ما يطالب به البعض هو حق وعلى الدولة أن تنفذه، فهناك حقوق للبلد وللأجيال القادمة، لا بد من صيانتها والحفاظ عليها، ومنع التبذير والإسراف والتفريط في عرق الذين يجتهدون لإرضاء من لا يعمل إلا «بالقطعة» مثل ثلاجات البيبسي.. كم نحن بحاجة إلى قرارات تقضي على فساد النفوس فساداً مبرماً، وتهزم هذه النظرات الفوقية والمتعالية على الواقع، كم نحن بحاجة إلى قرارات تؤكد أن الفرد جزء من المجتمع، وكل ما يسلكه الفرد يسيء إلى المجتمع وعابرات القارات التي تجوب الشوارع ليلاً وحتى مطلع الفجر تحتاج إلى مثل هذه القرارات وأقوى منها، ليفهم البعض أن الله حق، وأن في الليل سباتاً من أجل طاقة نهارية تخدم الوطن وتؤدي الواجب تجاه الوطن. كم نحن بحاجة إلى قرارات تفك الاشتباك بين قرار المجتمع الإنساني وقرار الفرد الأناني.. وكم.. وكم.